احتفل الوسط الأدبي في ألمانيا في السادس والسابع من مايو(أيار) بميلاد الشاعر الألماني الكبير فولكر براون، الذي يعد أحد أهم الشعراء الناطقين بالألمانية منذ سبعينيات القرن العشرين حتى الآن.
ولد الشاعر فولكر براون في 7 مايو(أيار) من عام 1939 في مدينة دريسدن الألمانية، لذا فهو من الجيل الذي عانى من ويلات الحرب العالمية الثانية في مرحلة الطفولة، التي تركت ملامحها على نصوصه. وحين دمرت الطائرات البريطانية، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبلا سبب غير الانتقام، مدينة دريسدن، ولم يكن براون قد تخطى السادسة من عمره، فقد والده في الحرب، حيث أجبر على القتال دفاعاً عن تلة في غابة توتوبورغ خلال الأيام الأخيرة من الحرب. لذلك لم يكن بإمكانه الاعتماد على الكثير من الذكريات عن والده، الذي كان يختصر اسمه إريش إلى "أنا" في الرسائل، التي كان يبعث بها إلى زوجته، والموقعة بـ "المخلص أنا". بالنسبة للابن، أصبح "الهو/ والأنا" ذات الشخص الآن، حيث يقول براون: "الشخص الذي أبحث عنه، هو ذلك الإنسان الذي يظهر في كتابتي، إنه دائماً هناك، كما هو واضح، وكما أنا صائر".
يحاول براون في نص يتضمن عشر منمنمات نثرية قصيرة من التكثيف شبه الغنائي، الاقتراب من الزمن المدفون في الذاكرة. وكما في كل نصوصه، يبدأ من اللغة، من كل العبارات التي تجعل الحياة اليومية محتملة والجمل التي حفظها الطفل. نقطة البداية هي جملة نطقت بها الأم بعد فترة طويلة من "سقوط" الأب. قالت: "من يدري ما الفائدة من عدم عودته. لرُبَّ ضارة نافعة".
مارس براون قبل متابعة دراسة الفلسفة في جامعة لايبتزغ مهنة عامل مطابع وميكانيكي وعامل بناء في إحدى التعاونيات. يعود أول أعماله الأدبية إلى الستينات ويعكس في المراحل الأولى حماساً كبيراً لبناء مجتمع إنساني عادل، حيث كان ذلك هو أمل الكثير من المثقفين خصوصاً في ألمانيا الشرقية سابقاً. عمل من 1965 حتى 1967 في مسرح "برلينير إنسامبيل" بناء على طلب من المسرحية المشهورة هيلينه فايجيل، زوجة بيرتولت بريشت، كما عمل في مسرح برلين.
بدأ فولكر بروان في مرحلة مبكرة أكثر نقدية لمسألة الحياة في ظل الاشتراكية الواقعية، منادياً بضرورة الإصلاح، إلى أن غادر اتحاد الكتاب في ألمانيا الشرقية عام 1982، وبالرغم من ذلك تسلم براون الجائزة الوطنية لألمانيا الديمقراطية عام 1988.
كتب فولكر بروان إلى جانب الشعر، الرواية والمسرحية. وزار العالم العربي، حيث حل ضيفاً في أبوظبي ودبي ومصر وسوريا والمغرب واليمن عام 2001.
تتميز نصوص فولكر براون بالأسلوب الأدبي الرفيع، واللغة الخاصة، والخيال الواسع، والاستعارات التي يعتمدها، حيث يصف أسلوبه "بالواقعية الخفية". "كأنه عاش الأزمنة كلها، كأنه طاف بالأرض، اخترق خطوطها، طولاً وعرضاً. كأنه هنا عندما يكتب عن الهناك وكأنه هناك عندما يكتب عن الهنا. ذلك هو الشاعر فولكر براون. لم يكن النداء إغراء بل كان النشيد الذي يُعيد كلمة الجسد إلى مركز القصيدة. أيام قضيتها في قراءة وإعادة القصيدة، مستعذباً لغتها، غير المعتادة، في القصيدة الألمانية التي أعرفها. لا لأنه يكتب ما لا يكتَب، بل لأنه يعيد كتابة النشيد بلغة الجسد. ذلك سر قصيدته وتلك حكمتُها. هي تجربة شعرية تمتلك هذا النفَس الذي لا يليق بتسمية غير تسمية النفس الملحمي. في قصيدة واحدة تحس التاريخ البشري ينهض أمامك". هكذا وصفه محمد بنيس في مقدمة كتبها لديوان "حرب على الأكواخ سلام على القصور".
تأثر براون كثيراً بتداعيات الوحدة الألمانية الصعبة على سكان الولايات الشرقية وبما آلت إليه حال الكثيرين، عقب الوحدة الألمانية. ويبدو ذلك واضحاً في قصيدته "ما تبقى لنا"، التي يقول فيها:
"أنا هنا: بلادي تهاجر إلى الغرب.
حرب على الأكواخ سلام على القصور.
تلك بلادي، ركلتها بالحذاء.
تلقي في الهاوية بنفسها وبزينتها الهزيلة.
وبعد الشتاء صيف الشهوة.
أما أنا فإلى الهاوية ولتأخذني عواصف البحار.
نصوصي كُلها أضحت طلاسم.
ما لم أملُكهُ يوماً، يُنتَزع مني عنوةً.
ما لم أحيَه، سأفقُده إلى الأبد.
تمدد الأمل على الطريق كمصيدة.
ما تبقى لي، هو الآن بين مخالبكم.
متى أقول مرة أخرى هذا لي وأعني الجميع."[1]
نصوص فولكر براون تحتاج للقراءة بمتخيل حر عن القصيدة. والمتخيل الحر هو الطريقة التي يستخلصها المرء من القراءة ذاتها. التي تبين ما تحتويه القصيدة من كثافة شعرية تحافظ على حيوية الحس. وتبين تجربة شاعر ألماني، له مكانته الكبرى في الشعر الألماني اليوم.
كتب أدونيس يهنئ فولكر براون بعيد ميلاده:
"طال سهَرُ الشعر يا صديقي،
برج الأفق يميل، المحيطاتُ نفسها أخذَت تتثاءب وتكاد نوارسها أن تترنَّح مأخوذة بدُوار الزّبَد ــ وليس للغيب ما يقوله.
أهي، حقاً يدُ الله تلك التي تملأ دلْوَ الشّمس بالماء الآسِن؟ شِباكٌ تتموَّج الآفاق بين خيوطِها، أغوار تفكُّ أزرارَها.
خياطون غامضون يمضون أوقاتَهم في فَتْقِ الأمواجِ ورَتْقِها. 
سماء مليئة بالمقابر، فضاء مليء بالبكاء، وحدها الهاوية تزهر وتثمر، وها هي المستنقعات، تدير الدفة، وتبتكر المجاذيف.
ولَئِن كان الفضاء نفسه قفصاً، فما يكون معنى الأجنحة؟
يا صديقي  هوذا من جديد نصغي إليك:
يا خطوات الوقت العالقة في وحْلِ التاريخ،
قولي: ماذا يقدر الشعر أن يقدم لك؟"
حاز بروان، الذي يعيش اليوم في برلين، جوائز هامة، منها جائزة شيللر عام 1992، جائزة النقد الأدبي الألماني 1996، أرفين شرتماتير 1998 وجائزة بوشنير 2000، التي تعتبر أرفع جائزة أدبية في البلدان الناطقة باللغة الألمانية

...............................

[1] من ديوان فولكر براون "حرب على الأكواخ، سلام على القصور"، ترجمة مصطفى السليمان، 2006