بالتزامن مع الجهود المُكثّفة التي تبذلها الحكومة الفرنسية، لمُحاصرة وإنهاء المشروع السياسي لتنظيم الإخوان المُسلمين الإرهابي، عبر استراتيجية شاملة أعلن عنها قبل أيام وزير الداخلية جيرالد دارمانين، تُنظّم جمعية "الإسلام في القرن الـ 21" النسخة الثالثة من مؤتمرها الدولي حول الإسلام، والذي يحتضنه معهد العالم العربي في باريس يومي 28 و29 مايو (أيار) 2024.

ويسعى مؤتمر باريس الثالث، الذي ينعقد تحت شعار "الإسلام، وسُبل الحرية والتسامح"، إلى سبر أغوار الفكر الإسلامي المُعاصر، ضمن جهود التعاون والالتزام العميق بتأسيس مُستقبل مشترك يقوم على نبذ التطرّف والكراهية، وتعزيز التفاعل والحوار بين كافة الثقافات والديانات. ويتصدّى في توجّهاته الفكرية للمُتشددين الإسلامويين وفي مُقدّمتهم جماعة الإخوان، ولمؤيدي اليمين المُتطرّف في ذات الوقت.

حل جمعيات الإخوان

ومن خلال نهج تأمّلي واستشرافي، يسعى المؤتمر لإبراز أوجه الإسلام الصحيح في عالم تعمّه النزاعات والمفاهيم المغلوطة. مع التركيز على التحدّيات التي تفرضها المُعالجة الإعلامية والسياسية أمام الطلاب ومعلمي المدارس الذين يلزمهم تدريب كافٍ للتمكّن من إجراء حوار إيجابي هادف حول العناصر المُتعلّقة بالدين.

ونجحت الحكومة الفرنسية العامين الماضيين في تحقيق إنجازات ملحوظة بمُحاصرة الإسلام السياسي، وبشكل خاص الإخوان الذين تمكنوا سابقاً من السيطرة على العديد من المراكز الدينية الإسلامية والترويج لخطاب مُتشدد في عقول الشباب المُسلم.

وشهدت فرنسا في الأعوام الأخيرة حلّ وحظر العديد من الجمعيات الدينية لتنظيم الإخوان، وذلك لتأكّد وجود شبهات تطرّف وتمويل من مصادر خارجية. كما وصعّدت الحكومة من حربها ضدّ الكراهية والخطاب الانفصالي.

اهتمام مُتزايد في الغرب

وفي تصريحات خاصة، أعرب رئيس جمعية ومؤتمر "الإسلام في القرن الـ 21"، الدكتور صادق بلوصيف، عن سعادته بتقديم النسخة الثالثة من المؤتمر بهدف المُساهمة في خلق عالم يتقبّل التنوّع الديني، ويُشجّع الحوار بين الأديان، ويُفهم فيه الإسلام بجميع أبعاده، بما في ذلك جانبه الجمالي.

وذكر أنّ وجود الإسلام يزداد بشكل ملحوظ في المجتمع الفرنسي المعاصر، رغم أنّ القضايا الثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية المرتبطة بالحضارة الإسلامية لم تُفهم بعد بشكل كامل.

وفي عصر العولمة، اتسعت نطاقات الهجرة والتبادل الثقافي بشكل لم يسبق له مثيل. ومجتمعاتنا الغربية أصبحت بوتقة تتداخل فيها ثقافات متعددة، وفي هذا السياق، يستقطب الإسلام وأتباعه اهتماماً مُتزايداً، إلى جانب التساؤلات والمخاوف.

وأشار بلوصيف إلى أنّه كثيراً ما سُلّط الضوء على الإسلام ضمن التطورات العالمية الكبرى، حيث يتم تصويره بشكل متكرر في وسائل الإعلام المتنوعة. ومع ذلك، فإن التحليلات السطحية التي تُركّز عليه تكون في كثير من الأحيان عائقاً أمام فهم التفاصيل الدقيقة والأبعاد الروحية العميقة للإسلام، مما يؤدي إلى زرع بذور سوء الفهم والانقسام داخل مجتمعاتنا.

محاور المؤتمر

ويجمع المؤتمر من خلال برنامج غني ومُتنوّع، نخبة من أبرز المتخصصين والخبراء، حيث سيقدم كل منهم إسهامه الفريد في صياغة خطاب متعدد الأوجه ومُستنير بشأن الإسلام وقضاياه المعاصرة. وعلى مدار يومين، ومن خلال أربع موائد مستديرة، سيخوض المشاركون في مناقشات مُعمّقة حول القضايا المطروحة، مما يمكنهم من تبادل الأفكار وتوحيد الرؤى حول قيم أساسية مثل التسامح، والسلام.

وتدور محاور المؤتمر الرئيسة حول مواضيع "البحث عن الفضيلة: بين المُثل العليا والواقع"، و"استعادة الحوار: تجاوز الحواجز بين المجتمع الفرنسي والإسلام"، وكذلك "التعليم العلماني للإسلام: التحدّيات وسُبل ترسيخ الحوار".

وأما المحور الرابع فيأتي بعنوان: "الحريات والإسلام: الرهان الديمقراطي والديني"، ويطرح تساؤلات عدّة حول ظهور شخصيات مسلمة في وسائل الإعلام: بين الإقبال والرفض، ما هي طبيعة العلاقة بين المواطن المسلم والديمقراطية؟ أيُّ قيم أخلاقية يجب على المسلمين تبنّيها في عصر الخوف؟ وكيف يُمكن إعادة تعريف الفصل بين السياسي والديني؟

مُقاربة جديدة للتصدّي للفكر المُتطرّف

وفي ظل عالم يضجُّ بالصراعات والانقسامات، يهدف هذا المؤتمر إلى أن يكون منصّة تجمع ضمائر الأفراد، وفيه يمكن رسم ملامح إسلام القرن الـ 21؛ إسلام يتسم بالانفتاح على العالم والالتزام العميق بتأسيس مستقبل مشترك، يقوم على احترام الكرامة الإنسانية وتعزيز القيم العالمية.

ومن جهتها، أوضحت لويزة ناظور مُستشارة المؤتمر الخبيرة في تنسيق التبادل الثقافي، في تصريحات خاصة لـ 24، أنّ جمعية "الإسلام في القرن الـ 21"، تُنظّم مؤتمراً دولياً كل سنتين يجمع فاعلين وخبراء في قضايا الإسلام، لتسليط الضوء على جوانب مهمة ذات صلة بالإسلام في الغرب وتحدّيات القرن الـ 21، مع طموح بمُقاربة جديدة للتصدّي للفكر المتطرف وتبنّي نهج الإصلاح ضدّ التشدّد وخطاب الكراهية.

كما تنشر الجمعية مجلة يُساهم فيها كتاب ومفكرون، تتميز قيمتها في اقتراح مقاربة متعددة التخصصات، تسمح بتعزيز الحوار في علوم الأديان والعلوم الإنسانية والاجتماعية من أجل إعادة تأسيس الفكر الديني الإسلامي.

يُذكر أنّ مؤتمر باريس ناقش في دورته الأولى التي عُقدت في عام 2019، الفكر الإصلاحي في الإسلام والتعامل معه على أساس أنّه دين منفتح على الحوار والنقاش، وليس مُغلقاً. وأجمعت مُداخلات غالبية المُتحدثين حينها على التحذير من الاستمرار في استيراد أئمة المساجد من خارج أوروبا، والسعي لوقف إطلاق الفتاوى الدينية دون ضوابط.