يضجُّ المشهد الاجتماعي النابض في واشنطن العاصمة بحفلات استقبال في السفارات، مراسم توقيع الكتب، ومآدب العشاء مع صنّاع السياسات.

غالباً ما تتلاشى الأزمات الإنسانية المُلحَّة مثل الحرب الوحشية المُستعرة في السودان وراء الكواليس
وتمثل هذه التجمعات فرصة مهمة للدبلوماسيين، إذ تكفل لهم التواصل مع الشخصيات النافذة، وتبادل المعلومات، وبناء العلاقات التي يمكن أن تُشكِّل العلاقات الدولية وتصوغها.

ومع ذلك، وفي خضم هذه الفورة من النشاط، تظل فئة واحدة متوارية عن الأنظار إلى حدٍ كبير في خضم هذا المشهد الصاخب، ألا وهي فئة الدبلوماسيين الأفارقة، وفق تقرير لمجلة "بولتيكو".

سفارات أفريقية على الهامش

وقالت المجلة الأمريكية في تقريرها إنَّ السفارات الأفريقية في واشنطن تجد نفسها على الهامش رغم تمثيلها لقارةٍ كبيرة تضم 54 دولة.

وينبع هذا التهميش في حقيقة الأمر من شبكة معقدة من التحديات التي تواجه سفارات تلك الدول. 

وأضاف التقرير "تتمثل العقبة الأكثر إلحاحاً على الإطلاق في نقص الموارد، فالعديد من السفارات الأفريقية تضمُّ عدداً قليلاً جداً من الموظفين الدبلوماسيين الذين يتقاضون أجوراً زهيدة للغاية، وفي ظل محدودية التمويل، تكافح تلك السفارات للحفاظ على الوظائف الأساسية فيها".

وتابع "لكم أن تتخيلوا موقعاً إلكترونياً مليئاً بمعلومات عفا عليها الزمن، أو سفارة خالية من الفعاليات التي تهدف إلى جذب الضيوف المؤثرين حقاً في الدولة المضيفة، أو غياب مسؤول شؤون عامة لإدارة التواصل والتوعية. ومن المثير للدهشة أن بعض الدبلوماسيين الأفارقة يلجأون حتى إلى الاضطلاع بأعمالٍ جانبية مثل قيادة السيارات تحت مظلة تطبيقات النقل التشاركيّ أو العمل في محطات الوقود لتغطية نفقاتهم ليس إلا".

الافتقار للوحدة بين الدول

ويزيد الطين بلّة عدم وجود وحدة بين الدول الأفريقية. فلكل دولة مجموعة من الأولويات الخاصة بها، وبعضها لديه خصومات عميقة الجذور مع جيرانه.

وفضلاً عن ذلك، تفرض بعض حكومات الدول الأفريقية قيوداً صارمة للغاية على دبلوماسييها، مما يعوق قدرة سفاراتها على التعامل مع مؤسسة السياسة الأمريكية.
وحتى عندما يكون بوسع الدبلوماسيين الأفارقة التغلب على هذه العقبات الداخلية، فإنهم يواجهون عقبة أخرى تتمثل في الاعتماد على جماعات الضغط باهظة التكلفة في واشنطن. وغالباً ما يتم تكليف هؤلاء المأجورين بمهامٍ دبلوماسية أساسية مثل ترتيب الاجتماعات مع المسؤولين الأمريكيين. 

.وعلى الرغم من ذلك، فإن التحديات التي يواجهها الدبلوماسيون الأفارقة تتجاوز بمراحل حدودهم الداخلية، فأولويات السياسة الخارجية لواشنطن نفسها دائماً ما تؤدي دوراً بالغ الأهمية. فعلى الرغم من شريحة الشباب الكبيرة في أفريقيا ونمو القارة السكانيّ السريع، تحظى القارة السمراء باهتمام أقلٍ بكثير مقارنةً بالمناطق التي تربطها بالولايات المتحدة علاقات اقتصادية وعسكرية أقوى.

قصور في المشاركة

وغالباً ما تتلاشى الأزمات الإنسانية المُلحَّة مثل الحرب الوحشية المُستعرة في السودان وراء الكواليس إذا ما قُورنت بالصراعات الجارية في بقاع أخرى من العالم.

وهذا القصور الشديد في المشاركة يخلق حلقة مفرغة لا مفر منها، فالدبلوماسيون الأفارقة الذين يشعرون بخيبة الأمل بسبب الاهتمام المحدود الذي يحظون به، يتساءلون دوماً عن قيمة الجهود التي يبذلونها.

وإذ يشعرون بالإقصاء من المناقشات الرئيسة وعمليات صنع القرار، يزداد تهميشهم شيئاً فشيئاً.

عباءة التخفي

ويؤكد التقرير ضرورة وجود دبلوماسي أفريقي أكثر إستراتيجية ومزود بموارد كافية لضمان أداء دور أبرز للقارة السمراء على الساحة العالمية.

وفي ظل زيادة الاستثمار في سفاراتها والاستعداد للتكيف مع واقع واشنطن، من الممكن للدول الأفريقية أن تتخلى عن "عباءة التخفي" إلى الأبد وترفع صوتها وتدافع عن مصالحها بشكلٍ أكثر فعالية من أي وقت مضى.