تتأثر دول العالم سياسياً واقتصادياً بما يجري فى أمريكا وأوروبا، لذلك تابع سكان الكرة الأرضية انتخابات البرلمان الأوروبي، التي انتهت منذ أيام بانتصار كبير لليمين المتطرف الذي يقوده حزب الشعب الأوروبي، الذي حصل على 190 مقعداً من بين 720 مقعداً هي كل مقاعد البرلمان الأوروبي في 27 دولة.

ورغم تحقيق أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب القومية مكاسب واضحة، فإن أداء يمين الوسط كان جيداً أيضاً، واحتفظ بمكانته كأكبر تجمع وضمن الحصول على مقاعد، وحلت أحزابه في المقدمة في ألمانيا واليونان وبولندا وإسبانيا، كما حققت تقدماً كبيراً في المجر.
تأسس البرلمان الأوروبي مواكباً للوحدة الأوروبية، وأجريت أول انتخابات في عام 1979 وكانت تلك الانتخابات أقوى إعلان عن المصالحة الأوروبية.
ويعد البرلمان الأوروبي الوحيد العابر للحدود الوطنية في العالم، الذي يُنتخب أعضاؤه بشكل مباشر لولاية مدتها 5 سنوات، وتعدّ ثاني أكبر انتخابات إقليمية في العالم بعد انتخابات الهند.
ومن بين أول القرارات التي سيتخذها البرلمان الجديد انتخاب رئيس حاصل على الأغلبية المطلقة ثم انتخاب رئيس جديد لـلمفوضية الأوروبية، أو قد يعيد انتخاب أورسولا فون دير لاين، الرئيسة الحالية لولاية جديدة.
قالت أورسولا فون دير لاين، التي تقود حزب الشعب بعد إعلان النتائج الأولية: «حزب الشعب الأوروبي أقوى مجموعة سياسية، وسنبني حِصناً ضد متطرفي اليسار واليمين، وسنوقفهم». وأضافت أنها واثقة من قدرتها على الفوز بفترة جديدة كرئيسة للمفوضية الأوروبية، وقالت: «نعم. أنا واثقة».
في باريس دفعت الصدمة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة، فقد خسر حزبه الوسطي «حزب النهضة» وحصل على 15%، مقابل أكثر من 30% لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة منافسته مارين لوبان.
نجح التيار اليميني المتطرف خلال السنوات الأخيرة في أن يقدم نفسه للشعب الأوروبي كبديل عن التيارات المحافظة الأخرى، مستغلاً المستجدات الطارئة على الخارطة الإقليمية والدولية التي تُهدد أمن واستقرار المواطن الأوروبي، كما روَّجت لذلك الآلة الإعلامية لهذا التيار.
وليس من شكٍّ في أن الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها القارة الأوروبية في الفترة الماضية قد أوجدت بيئة خصبة لنمو تلك التيارات، وقد تعززت فرصُ اليمين المتطرف بعد النجاح الذي حققه في أكثر من دولة، خاصة في بريطانيا، بفوز تيار بريكسيت في استفتاء تاريخي أدت نتائجه إلى عزلها عن الأسرة الأوروبية وكذلك فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية في نوفمبر(تشرين الثاني) 2016.
ويأتي ملف الهجرة واللاجئين، خاصة من دول منطقة الشرق الوسط وأفريقيا، على قمة أولويات التيارات اليمينية الأوروبية، ومن المرجح أن يطالب اليمين بغلق الحدود بشكل كامل أمام دخول لاجئين جدد للأراضي الأوروبية، وتضييق الخناق على الإعانات التي تقدمها الحكومات للمهاجرين.
كذلك غلق المدارس الإسلامية في الدول الأوروبية والجمعيات التي تقدم خدمات للاجئين والمهاجرين، ومنع إقامة المساجد أو السماح بممارسة الشعائر الدينية الإسلامية.
وبالنسبة للصراع العربي - الإسرائيلي تنقسم التيارات القومية في وسط وغرب أوروبا حول سبل التعاطي معه، ففي حين تُعلن بعض التيارات القومية في وسط أوروبا عن رفضها صراحة لوجهات النظر الإسرائيلية، بل تتهمها، مع النخبة اليهودية العالمية، باستعباد الفلسطينيين والسيطرة على توجهات الحكومة الأمريكية، نجد أن دول غرب أوروبا مؤيدة لإسرائيل، انطلاقاً من اعتقادهم بأن التهديدات التي تواجه الأمن الإسرائيلي والأوروبي -على السواء- تنبع من الإسلام، وأنهم يحاربون نفس الحرب، بما يدفع إلى ضرورة دعم أوروبا لإسرائيل، ومن المؤكد أن اليمين بعد هذه الانتخابات سوف يقف بقوة ضد المقاومة الفلسطينية في غزة، وسوف تسعى هذه الأحزاب إلى تعزيز العلاقات مع إسرائيل وتقديم الدعم لها.