رغم أن مصطلح "تغيير النظام" ليس ما يستخدمه الإسرائيليون لوصف الحرب التي يشنونها في غزة، إلا أن "تغيير النظام" هو بالضبط ما تسعى إليه إسرائيل، حيث تهدف إلى تدمير حماس ككيان سياسي وعسكري والقضاء على حكومة الأمر الواقع في القطاع، وفقاُ لتقرير تحليلي مطوّل في مجلة "فورين أفيرز".

وتقول المجلة إن الحملة الإسرائيلية العسكرية في غزة هي رد فعل "مفهوم" على الهجمات التي وقعت في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، والتي قتل فيها حوالي 1200 إسرائيلي، واحتجز حوالي 250 كرهائن، وتركت الشعب الإسرائيلي بصدمة شديدة.

وفي أعقاب الهجمات، خلص القادة الإسرائيليون إلى أنه من غير المقبول أن تستمر حماس في إدارة غزة، تماماً كما قرر القادة الأمريكيون بعد هجمات 9/11 في عام 2001 أنهم لم يعودوا قادرين على قبول الوضع الراهن في أفغانستان، حيث كانت طالبان تؤوي القاعدة، وأنه ليس لديهم خيار سوى تنفيذ تغيير النظام هناك.

تجارب أمريكية قاسية

لم تكن أفغانستان المكان الوحيد في الشرق الأوسط الذي سعت الولايات المتحدة إلى تغيير النظام فيه بعد 9/11، كما يشير التقرير، ففي السنوات التي أعقبت الهجمات، أطاحت التحالفات التي تقودها الولايات المتحدة أيضاً بالأنظمة في العراق وليبيا، وربما سوريا. وكانت هذه تجارب قاسية لواشنطن: دموية ومكلفة ومتواضعة.

اليوم، ترى المجلة أن إسرائيل ترتكب العديد من تلك الأخطاء نفسها، بما في ذلك بعض الأخطاء الأكثر وضوحاً التي ارتكبتها الولايات المتحدة في السنوات الأولى من حرب العراق.

وكما فعلت الولايات المتحدة في العراق عام 2003، بدأت إسرائيل حربها دون خطة لإنشاء هيكل حكم، في حالتها لتحل محل حماس، ولم تظهر أي خطة واضحة بعد أشهر من القتال، كما فعلت الولايات المتحدة في المراحل الأولى من حروبها بعد 9/11.

وتحركت إسرائيل بشكل حاسم وبتكلفة بشرية كبيرة "لتطهير الأراضي من الإرهابيين"، لكنهم فور مغادرتهم الأماكن التي حاولوا تطهيرها عادت عناصر الحركة لتسيطر من جديد، وهو نهج معيب أطلق ضباط الجيش الأمريكي عليه بأنه نهج "واضح وغادر". وإلى درجة أكبر من الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، تعرضت إسرائيل لانتقادات دولية شديدة بسبب الخسائر المدنية التي أحدثتها عملياتها.

أخطاء ودروس

ولكن مثلما ارتكبت إسرائيل أخطاء مماثلة لتلك التي ارتكبتها الولايات المتحدة، يمكنها أيضاً أن تتعلم من بعض النجاحات التي حققتها الحملات الأمريكية، وخاصة تلك التي حققتها استراتيجية "الطفرة" التي تبنتها واشنطن في العراق ابتداء من عام 2007، كما ترى المجلة.

القتال الحضري صعب للغاية وغالباً ما يكون دموياً كذلك، فقد أدت الجهود الناجحة التي بذلتها الولايات المتحدة وحلفاؤها لاجتثاث القاعدة والميليشيات في بغداد والبصرة والفلوجة والرمادي ومدن عراقية أخرى، والقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الموصل والرقة بعد بضع سنوات، إلى خسائر في صفوف المدنيين وتدمير كبير للبنية التحتية، على الرغم من الجهود الكبيرة للحفاظ على حد أدنى من الخسائر.



وبقدر صعوبة تلك العمليات، فإن العملية في غزة أصعب بكثير، وفقاً للتقرير. إذ يتركز سكانها بكثافة أكبر، وتتمتع حماس بمدى حر عبر حوالي 350 ميلا من الأنفاق تحت الأرض، ويستخدم قادة الحركة ومقاتلوها المدنيين كدروع.

وبحسب ما ورد قامت القوات الإسرائيلية بتفكيك غالبية الكتائب المنظمة التابعة لحماس، لكن لا يزال هناك عدة آلاف من المقاتلين. ولا يزال نحو 120 رهينة مفقودين وقد يكونون موجودين في نفس المنطقة التي يدور فيها القتال.

ما الحل؟

وبحسب التقرير، فإن هدف إسرائيل المتمثل في تدمير حماس من خلال القوة العسكرية المطلقة لن ينجح إلا إذا أصبحت الجماعة غير قادرة على إنجاز مهمتها ومنعت من إعادة تشكيلها، لكن المفتاح لترسيخ المكاسب الأمنية ووقف تجنيد خصوم جدد هو السيطرة على الأراضي وحماية المدنيين وتوفير الحكم والخدمات لهم. هذا النهج يقلل من احتمال أن يجد المقاتلون العون بين السكان، مما سيسمح لهم بإعادة التكوين.


وترى المجلة أنه لمنع إعادة تشكيل عناصر حماس التي لا يمكن التوفيق بينها، سيتعين على إسرائيل أن تميزها بشكل حاد عن المدنيين الأبرياء، وتتعهد بتحسين أمن وحياة هؤلاء المدنيين حتى في الوقت الذي تواصل فيه محاربة حماس بلا هوادة.
ويجب تصميم العمليات العسكرية الإسرائيلية لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، التي ستصبح مهمة أسهل مع القضاء على قواعد حماس ومقر عملياتها. كما كان الحال في العمليات الأمريكية الناجحة، يجب على القادة أن يسألوا عما إذا كانت عملية معينة ستقضي على مقاتلي العدو أكثر مما قد تساعده على البقاء.