كل المعطيات الراهنة تشي بفوز اليمين المتطرف بعدد كبير من المقاعد


تثير النتائج المحتملة للانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا ـ المزمع إجراؤها الأحد المقبل، 30 يونيو (حزيران) الجاري ـ مخاوف أطراف فاعلة على الساحة المحلية، وعلى الصعيد الأوروبي، من فوز اليمين الفرنسي المتطرف في سياق تقدم الأحزاب القومية على الصعيد الأوروبي.
ومن الواضح أن تلك المخاوف قد زادت بعد أن أشار استطلاعان للرأي نشرا السبت 22 يونيو(حزيران) إلى أن اليمين المتطرف وحلفاءه اليمينيين يتصدرون بقوة نيات التصويت في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية في فرنسا بنسبة بلغت (من 35,5 إلى 36%)، يليهم تكتل الجبهة الشعبية اليساري الجديد (من 27 إلى 29,5%)، بفارق كبير عن معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي سيحقق (من 19,5 إلى 20%).
لاشك أن نتائج استطلاعات الرأي تلك تستوجب التأمل والحذر، مع أنه لا يمكن التعويل عليها، ذلك لأنها أثبتت في عدد من الانتخابات عدم مصداقيتها ولا دقة نتائجها، ناهيك أنها قد تكون موجهة بهدف التحذير من اليمين المتطرف، وإيجاد تكتل ضده يُسهم في فشله أو يقلل من عدد المقاعد التي سيحصل عليها، بما يحول دون تشكيله للحكومة.
مهما يكن فإن الانتخابات التشريعية الفرنسية المقبلة، تعد في سياقها الزمني المحلي والقاري والدولي فاصلة، ومهمة، بل مصيرية أيضاً، الأمر الذي تدركه كل الأطراف الفاعلة على الساحة الفرنسية
مواقف الفرنسيين من تمدد اليمين المتطرف، واحتمال فوزه في الانتخابات المقبلة، تظهر بوضوح في النقاش الإعلامي والتجاذب السياسي، كما تظهر في مواقف جماعات الضغط من ذلك على سبيل المثال: عريضة وقعها 170 دبلوماسياً ودبلوماسياً سابقاً ـ نشرتها صحيفة لوموند ـ الأحد 23 يونيو ــ حذروا فيها من فوز محتمل لليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية المقبلة، الذي من شأنه، في رأيهم، أن "يضعف فرنسا وأوروبا"، وذلك على خلفية وقائع وأحداث تعيشها القارة الأوروبية، منها:
ــ الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث تدمير السلام في القارة الأوروبية.
ــ نيل الإرهاب من الديمقراطيات
ــ تقلص التعددية وحرية الإعلام
وبناء على التوصيف السابق، انتهى أصحاب العريضة إلى القول: "لا يمكننا أن نقبل بأن يضعف فوز اليمين المتطرف فرنسا وأوروبا بينما الحرب دائرة، هنا في أوروبا، وأن تبطل الشعبوية التحالفات وتفكك المجتمعات".
وهذا في سياق أمثلة دالة على الصعيد العالمي تتعلق بظهور اليمين المتطرف في بلد بعينه، اختصروها في أربعة، هي:
ــ المجر: المساس الخطير بالمؤسسات والتعددية نتيجة حكم اليمين المتطرف،
ــ الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب
ــ البرازيل: خسارة النفوذ الدولي أثناء ولاية" جاير بولسونارو"
ــ المملكة المتحدة بعد بريكست.
تشخيص أصحاب العريضة للواقع السياسي ودور اليمين المتطرف فيه على المستوى الدولي، خاصة في أوروبا، ليس جديداً من ناحية طرحه، ولا المجاهرة به، لكن أهميته تكمن في أنه يأتي قبل إجراء الانتخابات بأيام قليلة، وهذا يعطي انطباعاً أولياً من المنتمين لمؤسسات الدولة أكثر من ولائهم للأحزاب، حيث يقفون اليوم في جبهة واحدة لمواجهة اليمين المتطرف في الانتخابات المقبلة، والسؤال هنا: هل يملِكُون قدرة التأثير على الانتخابات لدرجة تجعل اليمين يتراجع وتتقدم أحزاب أخرى غيره؟
كل المعطيات الراهنة تشي بفوز اليمين المتطرف بعدد كبير من المقاعد، وهذا سيكون أن تحقق أمراً طبيعياً، وذلك بعد أن حوّلت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي صعود اليمين المتطرف في أوروبا لحقيقة سياسية لا يمكن تجاهلها، أيضاً بعدما أصبح اليمين المتطرف القوة الانتخابية والسياسية الثانية في العديد من البلدان الأوروبية.
فرنسا ليست بمعزل عمَّا يحدث في أوروبا، حيث يواصل اليمين المتطرف زحفه نحو سدة الحكم، وفي رفضها له ـ بشكل أو بآخر ـ تتجه نحو انفجار داخلي على صعيد الممارسة السياسية، وهي على الدرب نفسه تسير، ونتائج الانتخابات التشريعية ستكشف التوجه العام للمجتمع الفرنسي، والذي قد لا يكون في صالح الرئيس إيمانويل ماكرون إن لم يكن الآن، ففي المستقبل المنظور.