يقول مسؤولون أمنيون، إن القيادة العسكرية الإسرائيلية تريد وقف إطلاق النار مع حماس في حالة اندلاع حرب أكبر في لبنان، بعد أن توصلت القيادة العسكرية إلى أن الهدنة هي أسرع وسيلة لتحرير الرهائن.

وأشار تقرير أعدّه رونين بيرجمان وباتريك كينغسلي في صحيفة "نيويورك تايمز"، إلى أن كبار جنرالات إسرائيل يريدون البدء بوقف إطلاق النار في غزة، حتى لو أدى ذلك إلى بقاء حماس في السلطة في الوقت الراهن، الأمر الذي يؤدي إلى توسيع الخلاف بين الجيش ورئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، الذي عارض الهدنة التي من شأنها أن تسمح لحماس بالبقاء على قيد الحياة في الحرب.
ويعتقد الجنرالات، أن الهدنة ستكون أفضل وسيلة لتحرير نحو 120 إسرائيلياً ما زالوا محتجزين في غزة، أحياء وأمواتاً، وذلك وفقاً لمقابلات أجريت مع 6 مسؤولين أمنيين حاليين وسابقين.

ويعتقد الجنرالات أيضاً أن قواتهم، التي تعاني من نقص المعدات لمواصلة القتال بعد أطول حرب خاضتها إسرائيل منذ عقود، تحتاج إلى الوقت للتعافي في حالة اندلاع حرب برية ضد حزب الله، الميليشيا اللبنانية التي تخوض قتالاً منخفض المستوى مع إسرائيل منذ أكتوبر (تشرين الأول)، وفقاً لمسؤولين متعددين.
ووفقاً للمسؤولين، الذين تحدث معظمهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة مسائل أمنية حساسة، فإن الهدنة مع حماس قد تسهل أيضاً التوصل إلى اتفاق مع حزب الله.
وقد قال حزب الله، إنه سيستمر في ضرب شمال إسرائيل حتى تتوقف إسرائيل عن القتال في قطاع غزة.
وتتكون القيادة العسكرية الإسرائيلية، المعروفة مجتمعة باسم منتدى هيئة الأركان العامة، من حوالي 30 من كبار الجنرالات، بمن فيهم رئيس الأركان العسكرية الفريق أول هرتسي هاليفي، وقادة الجيش والقوات الجوية والبحرية، ورئيس الاستخبارات العسكرية.

تحول في التفكير

وفق التقرير، إن موقف الجيش من وقف إطلاق النار يعكس تحولاً كبيراً في تفكيره على مدى الأشهر الماضية، حيث أصبح من الواضح أن نتانياهو يرفض التعبير عن خطة ما بعد الحرب أو الالتزام بها.
وقد أدى هذا القرار في الأساس إلى خلق فراغ في السلطة في القطاع، الأمر الذي أجبر الجيش على العودة والقتال في أجزاء من غزة كان قد قال إنه "طهرها بالفعل من مقاتلي حماس". 

وبحسب إيال هولاتا، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي حتى أوائل العام الماضي، والذي يتحدث بانتظام مع كبار المسؤولين العسكريين، فإن "الجيش يدعم بشكل كامل صفقة الرهائن ووقف إطلاق النار".
ويضيف، "إنهم يعتقدون أنهم قادرون على العودة إلى الوراء والاشتباك عسكرياً مع حماس في المستقبل، إنهم يدركون أن التوقف في غزة يجعل التهدئة أكثر احتمالاً في لبنان".
وبحسب المسؤول العسكري السابق فإن "الجيش لديه ذخيرة أقل، وقطع غيار أقل، وطاقة أقل مما كان لديه من قبل - لذلك فإن الجنرالات يعتقدون أيضاً أن التوقف في غزة يمنحنا المزيد من الوقت للاستعداد في حالة اندلاع حرب أكبر مع حزب الله".

إحباط علني

ومن غير الواضح كيف عبرت القيادة العسكرية بشكل مباشر عن آرائها لنتانياهو على انفراد، ولكن كانت هناك لمحات من إحباطها في العلن، فضلاً عن إحباط رئيس الوزراء من الجنرالات.
ويبدو أن نتانياهو يشعر بالقلق إزاء أي هدنة تبقي حماس في السلطة لأن هذه النتيجة قد تؤدي إلى انهيار ائتلافه، حيث قال أجزاء من الائتلاف إنهم سينسحبون من التحالف إذا انتهت الحرب دون هزيمة لحماس.
حتى وقت قريب، كان الجيش يزعم علناً أنه من الممكن تحقيق هدفي الحرب الرئيسيين للحكومة في وقت واحد: "هزيمة حماس وإنقاذ الرهائن الذين أسرتهم حماس وحلفاؤها أثناء هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) على إسرائيل".
والآن، خلصت القيادة العليا للجيش إلى أن الهدفين غير متوافقين، بعد عدة أشهر من بدء الشكوك تساور الجنرالات .
ومنذ غزوها لغزة في أكتوبر (تشرين الأول)، تغلبت إسرائيل على كل كتائب حماس تقريباً واحتلت معظم الأراضي في مرحلة ما من الحرب.
ولكن ما يقرب من نصف الرهائن الـ 250 الذين تم نقلهم إلى غزة في أكتوبر (تشرين الأول) ما زالوا في الأسر، وتخشى القيادة العليا أن يؤدي أي عمل عسكري آخر لتحريرهم إلى خطر قتل الآخرين.
ومع رفض نتانياهو علناً الالتزام باحتلال غزة أو نقل السيطرة إلى زعماء فلسطينيين بديلين، يخشى الجيش الإسرائيلي من اندلاع "حرب أبدية" تتآكل فيها طاقاته وذخيرته تدريجياً حتى مع بقاء الرهائن في الأسر وقادة حماس ما زالوا طلقاء.

وفي مواجهة هذا السيناريو، يبدو إبقاء حماس في السلطة في الوقت الحالي مقابل استعادة الرهائن الخيار الأقل سوءاً بالنسبة لإسرائيل، كما قال هولاتا.
وقد اتفق معه أربعة مسؤولين كبار تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم.

وعندما طُلب من الجيش التعليق على ما إذا كان يؤيد الهدنة، أصدر بياناً لم يتطرق بشكل مباشر إلى هذا السؤال.
وجاء في البيان، أن الجيش يسعى إلى تدمير "القدرات العسكرية والحكومية لحماس، وإعادة الرهائن، وعودة المدنيين الإسرائيليين من الجنوب والشمال إلى منازلهم سالمين".

تلميحات علنية

ولكن في تصريحات ومقابلات أخرى صدرت مؤخراً، أعطى قادة عسكريون تلميحات علنية حول ما توصلوا إليه بشكل خاص.
ففي مقابلة تلفزيونية أجريت معه في الـ19 من يونيو (حزيران)، قال المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي  الأدميرال البحري دانييل هاغاري، إن "أولئك الذين يعتقدون أننا قادرون على محو حماس مخطئون، إن حماس فكرة، وحماس حزب سياسي، وهي متجذرة في قلوب الناس".
وأضاف في انتقاد مبطن لنتانياهو، أن "القول بخلاف ذلك هو بمثابة رمي الرمال في عيون الجمهور، إن ما يمكننا فعله هو إنشاء شيء آخر، شيء يحل محله، شيء يجعل الناس يعرفون أن شخصاً آخر يوزع الطعام، شخصاً آخر يقدم خدمات عامة، من هو هذا الشخص، وما هو هذا الشيء - هذا الأمر متروك لصناع القرار لاتخاذ القرار". 
وقد حاول رئيس الأركان الجنرال هاليفي، في الآونة الأخيرة تضخيم إنجازات الجيش، فيما وصفه بعض المحللين بأنه محاولة لخلق ذريعة لإنهاء الحرب دون فقدان ماء الوجه.
في الـ24 من يونيو (حزيران)، ومع تقدم القوات الإسرائيلية عبر مدينة رفح جنوب قطاع غزة، قال الجنرال هاليفي، إن الجيش "يقترب بوضوح من النقطة التي يمكننا عندها أن نقول إننا نجحنا في تفكيك لواء رفح، وأنه هُزِم، ليس بمعنى أنه لم يعد هناك المزيد من الإرهابيين، بل بمعنى أنه لم يعد قادراً على العمل كوحدة مقاتلة".

وتشير تقديرات الجيش الإسرائيلي إلى أنه قتل ما لا يقل عن 14 ألف مقاتل ـ وهو العدد الأكبر من قوات حماس.
ولكن المسؤولين يعتقدون أيضاً أن عدة آلاف من مقاتلي حماس ما زالوا طلقاء، مختبئين في أنفاق محفورة على عمق كبير تحت سطح غزة، يحرسون مخزونات الأسلحة والوقود والغذاء وبعض الرهائن.

ورفض مكتب نتانياهو التعليق على هذه المقالة.
وفي بيان صدر يوم الإثنين، قال إن إسرائيل تقترب من "القضاء على جيش حماس الإرهابي"، لكنه لم يقل إن هذا من شأنه أن يسمح لإسرائيل بإنهاء الحرب في غزة.
وفي مقابلة تلفزيونية نادرة في أواخر يونيو (حزيران)، رفض رئيس الوزراء الاقتراحات التي تدعو إلى إنهاء الحرب، لكنه أقر بأن الجيش يجب أن يخفض وجوده في غزة من أجل "نقل جزء من قواتنا إلى الشمال".
وبحسب المسؤولين العسكريين، فإن هذه الخطوة ضرورية لمساعدة الجيش على التعافي في حال اندلاع حرب أوسع نطاقاً مع حزب الله، وليس لأن إسرائيل تستعد لغزو لبنان في وقت قريب.
ومع ذلك، أشارت تقارير إخبارية أخرى إلى أن إسرائيل ربما تخطط لغزو لبنان في الأسابيع المقبلة.
وبعد مرور ما يقرب من 9 أشهر على الحرب التي لم تخطط لها إسرائيل، أصبح جيشها يعاني من نقص قطع الغيار والذخائر والدوافع وحتى القوات، بحسب المسؤولين.
إن هذه الحرب هي الصراع الأكثر شدة الذي خاضته إسرائيل منذ 4 عقود على الأقل، والأطول على الإطلاق التي خاضتها في غزة.
وفي جيش يعتمد إلى حد كبير على جنود الاحتياط، يقضي بعض الجنود فترة خدمتهم الثالثة منذ أكتوبر (تشرين الأول)، ويكافحون من أجل تحقيق التوازن بين القتال والتزاماتهم المهنية والعائلية.
ووفقاً لأربعة مسؤولين عسكريين، فإن عدد جنود الاحتياط الذين يتوجهون إلى الخدمة أصبح أقل.
كما أصبح الضباط يشعرون بعدم الثقة في قادتهم على نحو متزايد، وسط أزمة ثقة في القيادة العسكرية ناجمة جزئياً عن فشلها في منع الهجوم الذي قادته حماس في أكتوبر (تشرين الأول)، وفقاً لخمسة ضباط.

خسائر إسرائيل

لقد قُتل أكثر من 300 جندي في غزة، وهو أقل مما توقعه بعض المسؤولين العسكريين قبل غزو إسرائيل للقطاع.
ولكن أكثر من 4000 جندي أصيبوا منذ أكتوبر (تشرين الأول)، وفقاً لإحصاءات عسكرية، وهو ما يزيد بـ10 أضعاف عن إجمالي عدد الجرحى خلال حرب 2014 في غزة، والتي استمرت لمدة 50 يوماً فقط. 

ويعاني عدد غير معروف من الجنود الآخرين من اضطراب ما بعد الصدمة.
وعلى الأقل فإن بعض الدبابات في غزة ليست محملة بالقدرة الكاملة من القذائف التي تحملها عادة، حيث يحاول الجيش الحفاظ على مخزوناته في حالة اندلاع حرب أكبر مع حزب الله، وفقاً لضابطين.
وأكد 5 مسؤولين وضباط، أن الجيش يعاني من نقص في القذائف، كما يفتقر الجيش إلى قطع الغيار لدباباته وجرافاته العسكرية ومركباته المدرعة، وفقاً للعديد من هؤلاء المسؤولين.
وقال جميع الضباط، وكذلك هولاتا، إن إسرائيل لديها ما يكفي من الذخيرة للقتال في لبنان إذا اعتقدت أنه ليس لديها بديل آخر.
وأضاف هولاتا، "إذا ما انجررنا إلى حرب أكبر، فلدينا ما يكفي من الموارد والقوى البشرية، ولكننا نود أن نفعل ذلك في أفضل الظروف الممكنة، وفي الوقت الحالي، لا نملك أفضل الظروف".