تقوم خطة إسرائيل لغزة بعد الحرب، التي عرضتها على حلفاء الولايات المتحدة، في إدارة القطاع بالتعاون مع عشائر محلية ذات نفوذ.

لكن المشكلة أن لا أحد يرغب في التحدث إلى العدو في وقت لا تزال فيه حماس  تتمتع بنفوذ قوي جداً.
وتتعرض إسرائيل لضغط واشنطن لوقف نزيف الخسائر البشرية وإنهاء هجومها العسكري بعد نحو تسعة أشهر، لكنها لا تريد أن تترك لحماس مسؤولية إدارة بعد الحرب.

وحسب تصريحات علنية لمسؤولين إسرائيليين بارزين فإن أحد الركائز الأساسية للخطة يتمثل في تشكيل إدارة مدنية بديلة تضم جهات فلسطينية محلية، ليست جزءاً من هياكل السلطة القائمة ومستعدة للعمل مع إسرائيل.

لكن المرشحين الوحيدين في غزة لهذا الدور، هم رؤساء العشائر المحلية القوية، ولكنهم غير مستعدين للمشاركة، وفق محادثات أجرتها رويترز مع خمسة من العشائر الكبيرة في غزة، بينهم رئيس إحداها. 
وقالت تهاني مصطفى، المحللة البارزة في الشأن الفلسطيني في مجموعة الأزمات الدولية، في بروكسل، إن إسرائيل "تبحث جاهدة عن عشائر وعائلات محلية على الأرض للعمل معها، وهم يرفضون".
وقالت تهاني التي لها اتصالات ببعض العائلات وأصحاب المصلحة المحليين الآخرين في غزة، إن العشائر لا تريد المشاركة، وذلك جزئياً بسبب خوفها من انتقام حماس.
وهذا التهديد حقيقي لأنه، رغم أن هدف إسرائيل الصريح من الحرب يتمثل في تدمير حماس، فإن للحركة فاعلين يفرضون إرادتها في شوارع غزة، وفق ستة سكان تحدثوا مع رويترز.
ورداً على سؤال عن النتيجة التي سيحصل عليها أي رئيس عشيرة ذات نفوذ في غزة إذا تعاون مع إسرائيل، قال إسماعيل الثوابتة، مدير المكتب الإعلامي الحكومي لحماس في غزة: "أتوقع أن يكون الرد مميتاً لأي عشيرة أو جهة ترضى أن تنفذ مخططات الاحتلال، أتوقع أن يكون الرد مميتاً من فصائل المقاومة".
واعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالتحديات الأسبوع الماضي، قائلاًً في مقابلة مع القناة 14 الإسرائيلية إن وزارة الدفاع حاولت بالفعل التواصل مع العشائر في غزة لكن حماس قضت على المحاولات.
وأضاف أن لوزارة الدفاع خطة جديدة لكنه لم يذكر تفاصيلها، وأشار إلى رفضه مشاركة السلطة الفلسطينية التي تحكم حالياً الضفة الغربية المحتلة.
ولم تتمكن رويترز من التأكد إذا كانت جهود إسرائيل للعمل مع العشائر مستمرة.
وناقش وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خطط ما بعد الحرب في اجتماع في واشنطن الأسبوع الماضي مع مسؤولين أمريكيين.وقال غالانت في مؤتمر صحافي خلال الزيارة: "الحل الوحيد لمستقبل غزة هو أن يحكمها الفلسطينيون المحليون. لا يجب أن تكون إسرائيل، أو حماس". ولم يذكر العشائر تحديداً.

وأحال مسؤول من مكتب رئيس الوزراء رويترز إلى تعليقات نتانياهو المعلنة عن هذه النقطة. ولم ترد وزارة الدفاع الإسرائيلية على أسئلة رويترز.


في غزة، توجد عشرات العائلات صاحبة النفوذ تعمل مثل عشائر منظمة تنظيماً جيداً. وكثيرون منها لا روابط لهم رسمية بحماس. وتستمد العشائر قوتها من السيطرة على النشاط الاقتصادي وتتمتع بولاء مئات أو آلاف من الأقارب. ولكل عائلة زعيم له لقب "المختار".
واعتمد الحكام البريطانيون لفلسطين قبل إعلا دولة إسرائيل في 1948 بشكل كبير على هؤلاء الزعماء في الحكم. وبعد السيطرة على غزة في 2007، قلصت حماس قوة العشائر التي احتفظت بدرجة من الاستقلالية.

وتتحدث إسرائيل بالفعل مع بعض التجار في غزة لتنسيق الشحنات التجارية عبر نقطة تفتيش في الجنوب. ويتردد السكان في كشف أي تعاملات مع إسرائيل.
ووصف أفراد من عشائر غزة التقارب مع إسرائيل بمحدود النطاق وتعلق بقضايا عملية داخل غزة نفسها، وركز على شمال القطاع حيث تقول إسرائيل إنها تركز جهودها في الحكم المدني.
وقال أحد زعماء العشائر في غزة لرويترز، طالباً حجب اسمه، إن المسؤولين الإسرائيليين اتصلوا بمخاتير آخرين، لكن ليس هو، في الأسابيع القليلة الماضية. وقال إنه علم بالأمر لأن متلقي المكالمات أخبروه بها.
وأضاف أن المسؤولين الإسرائيليين "كان بدهم ناس لهم احترامهم ونفوذهم" للمساعدة في توصيل المساعدات إلى شمال غزة. وأضاف "أتوقع ألا يستجيب أي من رؤساء العشائر والمخاتير لهذه الألاعيب" مستنداً على الغضب من إسرائيل بسبب هجومها الذي أدى إلى مقتل أفراد من العشائر وتدمير الممتلكات.
والرجل الذي تلعب عشيرته دوراً رئيسياً في الزراعة والاستيراد في غزة ليس له أي صلة رسمية بحماس.
وفي اتصال آخر بين إسرائيل وأصحاب النفوذ من سكان غزة، اتصل مسؤولون من وزارة الدفاع الإسرائيلية في الأسبوعين الماضيين باثنين من كبار أصحاب الأعمال في قطاع الأغذية في غزة، وفقاً لمصدر فلسطيني مطلع. 
ولم يتضح ما الذي يريد الجانب الإسرائيلي التحدث عنه. ورفض أصحاب الأعمال، وهم من شمال غزة، التعامل مع الإسرائيليين، حسب المصدر.
وقال عضو بارز في عشيرة أخرى إن المسؤولين الإسرائيليين لم يتصلوا بعشيرته، لكنهم لن يجدوا إلا الصدود إذا فعلوا. ذ
وقال عضو العشيرة الذي ليس له أي صلة رسمية بحماس لرويترز: "لسنا جواسيس وإسرائيل لازم توقف هيك  الألاعيب".

وقال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي في الأسبوع الماضي إن الحكومة فوّضت الجيش الإسرائيلي لإيجاد "قيادة محلية ترغب في العيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل ولا تكرس حياتها لقتل الإسرائيليين".
وفي حديث تُرجم إلى الانجليزية في مؤتمر، قال إن العملية بدأت في الجزء الشمالي من قطاع غزة، ويرجح أن نرى نتائج في وقت قريب.
وإلى جانب الإدارة المدنية، تشمل الركائز الأخرى لخطة إسرائيل لغزة بعد الحرب جلب قوة أمنية من الخارج للحفاظ على النظام، والسعي إلى الحصول على مساعدة دولية في إعادة الإعمار، والبحث عن تسوية سلمية طويلة الأجل.
وتقول الدول العربية التي تحتاج إسرائيل إلى دعمها إنها لن تتدخل ما لم توافق إسرائيل على جدول زمني واضح لإقامة دولة فلسطينية، الأمر الذي يقول نتانياهو إنه لن يُرغم عليه.
وخلال الحرب دعت واشنطن إلى إصلاحات لتعزيز السلطة الفلسطينية وتجهيزها لحكم غزة التي كانت تديرها في السابق.
وذكر نتانياهو أنه لا يثق في السلطة الفلسطينية، وفي المقابل تقول السلطة الفلسطينية إنه يسعى إلى الإبقاء على الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية.
ووفقاً لاستطلاع نشره المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في 12 يونيو (حزيران)، فإن الدعم للسلطة الفلسطينية ضعيف بين سكان غزة.
ومع ذلك قال مسؤولان أمريكيان لرويترز إن نتانياهو قد يضطر لتسليم مهمة الأمن للسلطة الفلسطينية.
وأضاف المسؤولان اللذان طلبا حجب هويتيهما، أن إسرائيل لم تضع بعد خطة واقعية لحكم وإدارة الأمن في القطاع بعد الحرب.
وأوضحا دون تفاصيل أن المسؤولين الإسرائيليين يدرسون مجموعة من الخيارات.


وأظهر استطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أن بعض سكان غزة يلومون حماس على إشعال الحرب، فيما اقترب البعض الآخر أكثر من الحركة غضباً من الهجوم الإسرائيلي، مع التزام الجماعة المعلن بتدمير إسرائيل. وتدرك حماس أن من غير المرجح أن تحكم بعد الحرب، لكنها تتوقع الاحتفاظ بنفوذها.
وقال أحد سكان القطاع إنه رأى أفراداً من شرطة حماس يتجولون في شوارع مدينة غزة في يونيو (حزيران) ويحذرون التجار من رفع الأسعار.
وأضاف طالباً حجب اسمه أنهم كانوا يرتدون ملابس مدنية بدلاً من الزي المتعارف عليه ويتنقلون بدراجات.
وقال أربعة من سكان المدينة تحدثوا إلى رويترز إن مسلحي حماس تدخلوا للسيطرة على شحنات المساعدات وقتلوا بعض الشخصيات المعروفة من العشائر في بداية العام الجاري بعدما حاولوا الاستيلاء على شحنات في مدينة غزة.
وأحجمت حماس عن التعليق على  القتل.
وفي أبريل (نيسان) ذكرت حماس أن أجهزتها الأمنية اعتقلت العديد من أعضاء جهاز الأمن الموالي للسلطة الفلسطينية.
وذكر ثلاثة من المقربين للسلطة الفلسطينية أن المعتقلين كانوا يرافقون شحنة مساعدات في طريقها إلى شمال قطاع غزة.
وقال مايكل ميلشتاين، وهو عقيد سابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ويرأس حالياً منتدى الدراسات الفلسطينية بمركز موشيه ديان للأبحاث في إسرائيل: "لا يوجد فراغ في غزة، وحماس لا تزال القوة الأبرز".