في المقال السابق وقبل إعلان ملامح التشكيل الوزاري، وصفت الحكومة الجديدة بأنها حكومة في زمن الاستقرار الداخلي، ستُكلف بمهمة الحفاظ على مسار الإصلاح الطويل على كل المستويات.

منذ الإعلان عن ملامح التشكيل الوزاري، تأكدت لديّ هذه الصورة أكثر فأكثر، فالتشكيل الجديد يعكس تغييراً جذرياً في تقسيم العمل الحكومي، وآلية عمل الدولة.
العنوان الرئيسي هو التغلب على البيروقراطية، يتضح ذلك تماماً من الدمج الذي شمل عدداً من الوزارات، فهو من جانب يقضي على ازدواج الاختصاصات، ومن جانب آخر يسهل ويسرع من اتخاذ القرارات التي يمكن دمجها تحت مظلة واحدة، والمستهدف النهائي هو تحسين المنتج الحكومي الذي يمس حياة كل مواطن على أرض مصر.
هذا الدمج الذي يقلل من النفقات بطبيعة الحال، يستفيد بشكل مباشر من الميزة التي توفرها البنية التحتية التكنولوجية للعاصمة الإدارية، حيث تتولى التكنولوجيا تنفيذ العديد من المهام نيابة عن العنصر البشري، وهو ما يقلل من ضغوط التفاصيل التنفيذية لصالح المهام الاستراتيجية، وبالتالي يمكن للوزير الواحد أن يمارس اختصاصات عدة وزارات بالفعل.
لكن، هل نحن أمام تغيير في المسار، أم تطوير في بعض السياسات؟
هذا السؤال محوري وشديد الأهمية، فتغيير المسار يعني أن ما سبق كان خاطئاً، وهو أمر تخالفه كل المؤشرات الاقتصادية للدولة المصرية، التي لولا نجاعة المسار لكانت ستعاني من تهديد وجودي في خضمّ الأزمات العالمية الحالية.
لكنه تطوير في بعض السياسات والأساليب وطرق التنفيذ، المتغيرة بطبيعتها دائماً، والتي تتسم بحتمية التطور في دولة اختارت مسار التنمية المستدامة.
حتى تطوير السياسات يتطلب دماء جديدة، وأذهاناً صافية لم ترهقها ضغوط العمل الحكومي لسنوات كانت شديدة الصعوبة، وهو ما انطبق على عدد من الوزراء، إلى جانب آخرين لم يرق أداؤهم بالطبع للمستوى المطلوب.
خلاصة ما سبق، الحكومة الجديدة ستوكل إليها مهمة إكمال الإصلاح، والعبور بمصر إلى مرحلة جديدة، مرحلة من أهم عناوينها ما شاهدناه قبل ساعات خلال الإعلان عن مشروع "ساوث ميد" وقبلها رأس الحكمة، مرحلة تكون فيها مصر وجهة إقليمية تنافس عالمياً في مجالات عدة، مرحلة تتطلب مستوى رفيعاً من العمل الحكومي الكفؤ، الذي لا تعطله بيروقراطية ولا تشوبه نسب مؤثرة من الفساد.
لكن، وجب علينا أن ندرك جميعاً أن الوصول إلى هذه الصورة، وبلوغ تلك الأهداف، ليس ببساطة وسهولة كتابتها، بل هو وكما يقول الرئيس السيسي دائماً "عمل، وعمل، وعمل، وصبر".