سأل الرئيس جيد بارتليت مستشاريه في مجلس الأمن القومي "لقد ضربوا طائرة، لذلك نضرب جهاز إرسال، أليس كذلك؟.. هذا رد متناسب".

كان بوسع الإدارة أن تتخذ خطوات حاسمة لقطع مصادر التمويل التي تحولها طهران إلى الحوثيين

يقاطع بارتليت، وهو رئيس أمريكي في مسلسل وست وينغ، مساعديه الذين حاولوا شرح الأمر. ويقول غاضباً: "يفعلون ذلك، لذا نفعل هذا – إنها كلفة ممارسة الأعمال. لقد تم أخذها بالاعتبار. هل أنا على حق أم أنني أغفلت شيئاً هنا؟"
في استياء من تساؤل الرئيس عن فضائل الرد المتناسب، يعترف رئيس هيئة الأركان المشتركة على مضض "إنها ليست فضيلة، سيدي الرئيس. إنها كل ما هو متاح".

بين بارتليت وبايدن

يشرح المستشار البارز لشؤون الأمن القومي في مركز الاستراتيجية البحرية صمويل بايرز أن القصة الافتتاحية من عمل ويست وينغ الضخم لآرون سوركين هي عبارة عن تأمل مطول في حدود القوة العسكرية ومسؤولية القيادة.

 

يكتب بايرز في موقع "ناشونال إنترست" أنه وبمواجهة الأزمة في الشرق الأوسط وإسقاط طائرة أمريكية فوق سوريا كانت تقل أحد أعضاء طاقمه، يكافح بارتليت لتحديد رد فعله على هذه الإهانة للقوة العسكرية الأمريكية. في نهاية المطاف، بعد أن طلب من فريق الأمن القومي صياغة "رد غير متناسب لا يجعلني أعتقد أننا نقتطع من مخصصات شخص ما"، يأمر بارتليت بالمضي قدماً بالضربات الدقيقة الأصلية بسبب القلق من الخسائر المدنية والردود الدبلوماسية التي قد تترتب على غزو عسكري كامل. يذكّر قائد الأركان رئيسه والمشاهد بأن هذه هي "الطريقة التي تتصرف بها إذا كنتَ الدولة الأكثر قوة في العالم. إنها متناسبة ومعقولة ومسؤولة - إنها ليست لا شيء!".
اليوم، تواجه الولايات المتحدة تحدي شن رد متناسب على عدوان الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن. لقد دخل الحصار الذي فرضه الحوثيون على مضيق باب المندب باستخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ شهره التاسع. وأرسلت البحرية الأمريكية للتو حاملة طائرات هي الرابعة على التوالي مع مجموعتها، يو إس إس أبراهام لينكولن، لحماية الشحن الدولي في المنطقة. حتى الآن، كانت الاستجابة المفضلة لإدارة بايدن هي إصدار الأوامر للبحرية بالتوجه إلى الخطر والسماح للسفن الحربية الأمريكية باعتراض هجمات الصواريخ والطائرات بدون طيار بشكل مباشر بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية للأزمة والتي تشمل سياسة الإدارة المهملة تجاه إيران.
لقد مكن هذا طهران من تمويل وتسليح الحوثيين. كانت استجابة الإدارة للأزمة في البحر الأحمر "معقولة" و"مسؤولة" وبالتأكيد "ليست لا شيء". 

إهدار الموارد

على مدى الأشهر التسعة الماضية، صعدت الولايات المتحدة إلى مهمة الدفاع عن حرية البحار والنظام التجاري العالمي من الحصار الحوثي. كانت مجموعتان من حاملات الطائرات بقيادة يو إس إس جيرالد فورد ويو إس إس دوايت أيزنهاور منتشرتين في المنطقة عندما أعلن الحوثيون نيتهم ​​مهاجمة الشحن العابر لباب المندب دعماً لحرب حماس ضد إسرائيل. منذ ذلك الحين، تم تحويل مجموعتين من حاملات الطائرات، ثيودور روزفلت وأبراهام لينكولن، من المحيط الهادئ لوقف نزيف الجرح المفتوح لنظام الشحن العالمي.
بذلك، رفعت واشنطن باب المندب إلى مستوى مكافئ لأهمية المسارح في أوروبا الأطلسية والشرق الأوسط والمحيطين الهادئ والهندي وهي المناطق الثلاث التي يهدف البنتاغون فيها إلى الحفاظ على وجود حاملة طائرات على مدار الساعة. من خلال تبني موقف الدفاع المباشر عن الشحن المدني، اختارت الولايات المتحدة أيضاً إنفاق مليار دولار من الذخائر النادرة التي يصعب الحصول عليها لإسقاط صواريخ الحوثيين وطائراتهم بدون طيار بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة.

الأسئلة الحيوية

في الواقع، أنشأ البيت الأبيض ووزارة الدفاع "محطة عدن" جديدة قائمة بحكم الأمر الواقع، بحيث يتحتم على البحرية أن تخدمها باستمرار، مما يزيد من إجهاد أسطول هو صغير أصلاً. فهل يبرر التهديد الحوثي لـ 14% من التجارة البحرية العالمية التي تمر عبر البحر الأحمر التخصيص شبه الدائم لثلث قوة حاملات الطائرات الأمريكية المنتشرة في المقدمة؟ هل يبرر مبدأ حرية الملاحة إنفاق نفس الأسلحة التي تحتاج إليها البحرية لردع حرب ضد الصين وربما الفوز بها؟ باختصار، هل كانت الاستجابة متناسبة مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية؟

وفق بايرز، تعتمد الإجابة على ما يعنيه المرء بـ "الرد المتناسب". إن التعريف الشائع والخاطئ للتناسب، والذي يروج له أيضاً مسلسل وست وينغ، هو أنه لكي يكون متناسباً، يجب أن يستخدم الرد العسكري مستوى مماثلاً من القوة التي استخدمت ضد الطرف الأول. حسب هذا المعيار، يمكن اعتبار استجابة إدارة بايدن للتهديد الحوثي متناسبة. إن إصدار أوامر للبحرية باعتراض الصواريخ والطائرات بدون طيار وتنفيذ غارات جوية عرضية رداً على هجوم ناجح ضد سفن تجارية يكبح بالتأكيد التوتر والتصعيد المحتمل. "إنه متناسب، ومعقول، ومسؤول – وهو ليس لا شيء!"

تعريف باطل

إن التناسب باعتباره تكافؤاً هو باطل. ففي القانون الدولي، يعتبر التناسب مقياساً لمدى قبول الخسائر المدنية والأضرار الجانبية بالنسبة إلى قيمة الهدف العسكري، وليس العلاقة بين مستوى العنف الذي يستخدمه طرفان في صراع.
لكن على المستوى الاستراتيجي، السؤال المهم هو ما إذا كان الجهد الذي تبذله أمريكا في البحر الأحمر والموارد التي تنفقها وتكاليف الفرص البديلة التي تمثلها تتناسب مع قيمة النتائج التي حققتها. الإجابة على هذا السؤال هي لا بالتأكيد. فبالرغم من كل الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لمكافحة التهديد الحوثي، يظل باب المندب خطيراً جداً بالنسبة إلى العديد من شركات الشحن، مع انخفاض حركة المرور بنسبة 50% على أساس سنوي، حيث تبحر السفن حول رأس الرجاء الصالح بدلاً من ذلك. وقد شهدت قناة السويس انخفاضاً في عائداتها بمقدار ملياري دولار بنتيجة ذلك.
إذا كانت حماية حرية المرور عبر البحر الأحمر مصلحة حيوية للولايات المتحدة، فقد أثبتت استراتيجية بايدن أنها غير كافية لمواجهة هذا التحدي. وإذا لم تكن مهمة بما يكفي لتبرير استجابة أكثر قوة لحل المشكلة الجذرية، فمن المؤكد أنها لا تبرر تقييد ثلث قوة حاملات الطائرات الأمريكية إلى أجل غير مسمى ولإدارة الأعراض بشكل سيئ.

ما كان على بايدن فعله

في الواقع، اختارت إدارة بايدن متابعة استراتيجية بطيئة ومكلفة وغير فعالة لمعالجة التهديد الحوثي باسم الحفاظ على رد متناسب ظاهرياً مع مستوى العنف الذي مارسه الحوثيون حتى الآن. مع ذلك، من حيث التناسب مع الأهداف الوطنية، ليست الاستراتيجية الحالية مناسبة. كان النهج الأكثر تناسباً – والذي كان من المرجح أن ينجح – هو التصعيد ضد الحوثيين بما يتجاوز قدرتهم على الرد بالمثل وإقصائهم من الساحة بسرعة وبضرر شديد.
أو كان بإمكان بايدن أن يسمح للحلفاء السعوديين بفعل الشيء نفسه. أو كان بوسع الإدارة أن تتخذ خطوات حاسمة لقطع مصادر التمويل التي تحولها طهران إلى الحوثيين ووكلائها الآخرين. يمثل كل من هذه الخيارات تصعيداً كبيراً في المدى القريب. مع ذلك، من شأن هذا على المدى الطويل أن يحرر البحرية الأمريكية من مسؤولية غير محددة لتغطية محطة عدن ووقف الاستنزاف البطيء لترسانة الذخائر الحيوية في البلاد.
عن نظرته إلى الاستجابة المتناسبة، ختم بايرز "ربما على الرئيس المقبل أن يفكر بالرد غير المتناسب بدلاً من ذلك".