الأحد 25 يناير 2015 / 22:00

وأخيراً.. التحقت حماس بالقائمة..!!



ينبغي التوقف أمام مظاهرة الدواعش في غزة، التي رفعوا فيها راياتهم، ورددوا شعاراتهم، أمام المركز الثقافي الفرنسي، بدعوى الاحتجاج على الرسوم الكاريكاتورية في جريدة تشارلي إيبدو الفرنسية.

وأوّل ما يتبارد إلى الذهن سقوط الفرضية التي تبنتها أوساط نافذة في الإدارة الأميركية، وإدارات أوروبية مختلفة، منذ 11سبتمبر، وتجلت بكثافة عالية في الأكاديميا والإعلام، وتبناها بدرجات متفاوتة، ومُحزنة، بعض النشطاء والمثقفين العرب بدعوى الاستجابة لنبض الشارع، فالعالم يسدد، الآن، فواتير فرضيات وسياسات خاطئة، وتخريبية، أنجبت الدواعش.

تتمحور تلك الفرضية حول: أولاً، مقاومة "القاعدة" بتبني وتشجيع الإسلام السياسي "المعتدل"، وتمكينه من الوصول إلى سدة الحكم، وهذا ما تجلى بطريقة صارخة، أحياناً، كما حدث في أعقاب ثورات الربيع العربي. وثانياً، تسويق النظام الأردوغاني في الإقليم باعتباره نموذجاً يحتذى، والدليل الحي على إمكانية إنشاء "ديمقراطيات إسلامية" بديلة للأنظمة القائمة.

استفادت جماعة الإخوان المسلمين، وجماعات إسلاموية مختلفة، في الإقليم والعالم، من سياسات الاحتواء الأميركية والغربية، وكان في زواج المصلحة هذا ما يعيد تذكير الطرفين الإخواني والأميركي بفوائد تحالفات سبقت في زمن الحرب الباردة. وكان فيه، أيضاً، ما يحرّض بعض الأطراف، الباحثة عن مكان ومكانة في الإقليم، على القيام بدور المقاول في الباطن، والوكيل المحلي لمشروع التمكين.

ومع ذلك، جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن. ففي كل مكان صعد فيه الإسلام السياسي، ثبت أنه يصب الماء في طاحونة اتجاهاته الأكثر تشدداً. ففي مصر، مثلاً، ازدادت وتيرة الهجمات الإرهابية بعد وصول الإخوان إلى سدة الحكم، ولم يكن من قبيل الصدفة أن ترفع رايات القاعدة بطريقة علنية واحتفالية في مؤتمر "نصرة سورية"، الذي نظمه الإخوان المسلمون، ودعا فيه الرئيس الإخواني، مرسي، في حضور القرضاوي، ووجوه السلفية الجهادية، إلى الجهاد في سورية.

كما ثبت، خاصة بعد الإطاحة بنظام الإخوان في مصر، والهستيريا التي وسمت سلوك الساسة الأتراك إزاء ما حدث، أن تسويق الأردغانية في الإقليم كان أقرب إلى سياسات الهيمنة والتنافس على النفوذ، والأوهام العثمانية، منه إلى الديمقراطية بصرف النظر عن نموذجها الغربي أو التركي.

وبقدر ما يعنينا الأمر، فإن في مظاهرة دواعش غزة، ما يمثل دليلاً إضافياً على حقيقة أن صعود الإسلام السياسي في مكان ما (سواء بالانتخاب أو الانقلاب) لا يمثل ضمانة للحيلولة دون تفشي التشدد والتطرّف، بل يخلق بيئة مثالية تُحرّض على توليد المزيد منهما.

فحماس التي انقلبت على السلطة الفلسطينية، واستولت، بالقوة، على قطاع غزة، هي الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، ويُفترض بها نظرياً، (حسب فرضية الاحتواء الأميركية) أن تكون حائط صد أمام المتشددين والمتطرفين. ولكنها، على غرار بقية الفروع، لم تكن كذلك، بل خلقت دفيئة للتشدد والتطرف يمثل الدواعش آخر تجلياتها.

وقعت مظاهرة الدواعش في غزة تحت سمع وبصر حماس، التي تحكم القطاع بقبضة من حديد، ولا تتسامح مع كل مظهر محتمل للمعارضة أو الاحتجاج. ولكنها قررت، هذه المرّة، غض النظر. وفي غض النظر، هذا، تتجلى رسالة سياسية مفادها إما نحن أو الدواعش. وإذا اخترتمونا فلتخرجونا من الضائقة المالية، ونتكفل نحن بإخراج الدواعش من المشهد السياسي ونشره الأخبار على شاشة التلفزيون.

بمعنى آخر، الدواعش مجرد بيدق على رقعة شطرنج، يصنعه ويُلوّح به مَنْ يريد ابتزاز الآخرين. ضائقة حماس المالية والسياسية والأيديولوجية صريحة وفصيحة، أما محاولاتها للخروج من الأزمة، منذ ثماني سنوات، فيمتزج فيها الكوميدي بالمأساوي، وكلاهما من خصائص التراجيديا الإغريقية الصافية.

وطالما نحن في أجواء التراجيديا الصافية، فلنتوقف أمام ما ذكره علي صوفان، الضابط في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، وهو من أصل لبناني، الذي تولى التحقيق في حادثة الهجوم على المدمرة كول في ميناء عدن.

ففي كتابه المنشور قبل سنوات قليلة، يؤكد صوفان استخدام نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح للإسلاميين، في حرب الشمال على الانفصاليين في الجنوب. ومقابل الخدمات التي قدمها هؤلاء، غض النظام النظر عن علاقتهم بالقاعدة، ونشاطهم في تجارة وتهريب السلاح، ناهيك عن إنشاء معسكرات للتدريب، واستقبال متطوعين من بلدان مختلفة، وعن التوسع التنظيمي والأيديولوجي، إلى حد أصبحت معه مناطق كثيرة في اليمن خارج سلطة الدولة، وقاعدة خلفية آمنة للقاعدة وغيرها. وقد فعل هذا كله في الباطن، أما في العلن فكانه لسان حاله: إما أنا أو القاعدة.

لعبة قديمة ومُستهلكة، لعبها كثيرون، والتحقت حماس، أخيراً، بقائمة اللعبة واللاعبين، بطريقة قديمة ومُستهلكة، بلا تحوير، أو تغيير، أو تدبير، أو تفكير: إما أنا أو الدواعش.