الأحد 2 أغسطس 2015 / 19:43

الحسم الأمني هو الحل

لا شك لدي بأن الإمارات في هذه اللحظة التاريخية هي البلد العربي الوحيد الذي يقدم الأمل بأن التخلف والفوضى والتمزق والانهيار ليس قدراً حتمياً على العرب. وحتى لا ننسى، فإننا ننعم بعدد كبير من العوامل المختلفة التي جعلت الإمارات ما هي عليه، مثل القيادة السياسية ذات النظرة البعيدة والتي حرصت على عقلانية وسلمية ووسطية دولتنا منذ انشائها، وأيضاً حقيقة أن الشعب الإماراتي بطبيعته مسالم وذو أخلاق عالية والأهم من هذا تميز الإماراتيون دوماً بالالتزام بضوابط وتوجهات حكومتهم، هذا بالمقارنة مع بعض شعوب المنطقة والتي دخلت مرحلة صعبة من الانفلات الفكري والنفسي، كما أن موقع الإمارات الجغرافي البعيد عن قلب الشرق الأوسط المليء بالمشاكل في كل الأوقات، والتي تهدد الآن وجود واستمرارية الدولة الوطنية في العراق وسوريا وليبيا ولبنان واليمن، أعفى الإمارات من التأثر بموجة الانهيار الخطيرة هذه.

لكن لنعترف وبالذات بعد كشف وزارة الداخلية يوم أمس عن ما يعرف بجماعة "المنارة الإرهابية"، بأن الإمارات مهما تميزت أو اختلفت، فهي معرضة للتأثر بما يحدث في محيطها العربي والشرق الأوسطي، وهذا أمر طبيعي. فنحن نعيش في عالم صغير من السهل فيه انتقال الآراء التحريضية والمعلومات المزورة والأفكار السياسية والدينية المنحرفة التي تعبد الطريق بسهولة نحو تفتيت المجتمع واضعاف الروح الوطنية فيه، ومن ثم ضرب الدولة المدنية والقضاء عليها. ويجب أن لا ننسى أن الإمارات بلد عربي، مما يعني أن الإماراتيين يشاهدون ويستمعون ويقرؤون ويفهمون بسهولة ما ينتجه العرب الآخرون، وهذه مشكلة كبيرة، ومما يزيد من تأثير هذه المشكلة أننا تربينا على شعارات الأخوة الخليجية والوحدة العربية وأننا أمة واحدة من المحيط إلى الخليج، وهذا مما يعرض الإماراتي –أحياناً- للانقياد عاطفياً خلف تفكير أشقاؤه الخليجيين والعرب بدافع الإخوة المشتركة وكل الشعارات التي سمعها ويسمعها دائماً، وهذا بدون أن يقوم بتقييم وتحليل وتمحيص ما يسمعه أو يشاهده.

لا يجب أبداً أن يفهم حديثي هذا على أنه دعوة كارهة ضد الأخوة الخليجية والعربية، لست غبياً لهذه الدرجة، ولكن وضع الفواصل الواضحة بين عقيدة الإماراتيين السياسية والدينية والثقافية والمجتمعية، ومحيطهم الإقليمي هو حاجة ملحة نضمن بها استمرارية حالة الأمن والاستقرار الذي نعيشه، وكذلك صيانة الهوية الإماراتية والتي تشكل خط الدفاع الأول ضد كل المصائب التي تشتعل وتدور من حولنا.

لطالما تم ترديد مقولة أن "الفكر لا يواجه إلا بالفكر"، والحقيقة أن هذه المقولة قد تكون خادعة ومضللة أحياناً. وأرى أن الفكر الإرهابي، أو منظومات الفكر الديني والسياسي على اختلافها (فكر الإسلام السياسي بشقيه السني أو الشيعي، أو فكر التيارات الدينية الماضوية. الخ) والتي تشكل المنابع الرئيسية للإرهاب، لا تواجه في البداية إلا بالحسم الأمني الصارم الذي يكتسح البنى التحتية واللوجستية لهذا الجماعات الإرهابية. ومن ثم يأتي دور الحسم الفكري والثقافي والديني.

وأظن أننا يجب أن نفكر ونعمل في الفترة القليلة القادمة على تقديم صيغة فكرية وسياسية واضحة لأمرين في غاية الأهمية:

1. أسلوب الحياة الإماراتية.

2. عقيدة وهوية الدولة، فكرياً وسياسياً.

هذه أفكار كبيرة وفضفاضة وبحاجة لتفكير متعمق، لكنها ضرورية للغاية. ليس فقط بهدف التصدي للإرهاب، بل استكمالاً لبناء الدولة الوطنية المدنية في الإمارات.