الأربعاء 18 نوفمبر 2015 / 18:35

هجمات باريس

أطلّ الإرهاب مرة أخرى ليضرب عاصمة النور باريس، بلد الحريات التي استضافت ملايين العرب والمسلمين. إرهاب أسود مقيت شوَّه صورة العرب والمسلمين في كل أنحاء العالم، وليس في باريس وفرنسا فقط، مستخدماً كل وسائل القتل والتدمير، وهذا الإرهاب – مع الأسف- له مصادره التمويلية، وله مفكروه الكارهين للحياة والداعين إلى الجهل والتخلف، من الظلاميين الذين يخافون من النور والعلم والحرية.
وفي ظل تنامي قوى التخلف والظلام الإرهابية، فشلت العديد من مؤسساتنا الدينية في الوقوف بشكل حازم وصريح ضد هذه الأفكار المسمومة، التي تصلنا يومياً عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، ولم تتمكن من وضع استراتيجية ورؤية واضحة لمقاومة هذه الظاهرة المستفحلة، فهي تعيش في تخبط وعشوائية، بل إن كثيراً منها يرى الخطأ ولا يغيره، وكأنه لا يقدر على التمييز بين من يحاول أن يصنع الأمل، وبين دعاة الجهل والتخلف.

خطاب التشدد والكراهية في العالم العربي له مريدوه ومروجوه، وهو أحد الاسباب الرئيسية لتنامي ظاهرة الإرهاب في العالم، كما أن له من يغذيه ويدعمه مالياً ولوجستياً وفكرياً، وإذا لم تتنبه المؤسسات الدينية والاجتماعية والإعلامية وتقوم بدورها بشكل فعَّال في مواجهة هذا الخطاب الديني المتشدِّد، فإن العواقب ستكون أكثر فداحة مما حدث مؤخراً، بل أكاد أجزم أن المستقبل سيكون أكثر رعباً إذا استمر هذا الخطاب في التنامي والتأثير على المجتمع.

لا شك أن الحكومة الفرنسية تتحمل جزءاً مما حدث في باريس، فالإهمال والتهميش للجاليات المهاجرة وعدم دمجها في المجتمع، أدى إلى وجود بيئة خصبة لتنامي ظاهرة الإرهاب، وانتشار روح الكراهية والحقد بين هذه الجاليات المهمّشة وبين المجتمع الفرنسي، فالكثير من هؤلاء هم من أبناء الجيل الثالث في فرنسا ويشعرون بالغربة فيها كونهم خارج النسيج الاجتماعي الفرنسي، وكثير منهم يبحث عن هوية يحتمي بها فيقع فريسة سهلة في أيدي الإرهابيين ويتم استغلاله وتجنيده لتحقيق أجنداتهم الظلامية.

كما إن هناك تيارات عنصرية جديدة في أوربا أصبحت تظهر مشاعر العداء والكراهية علانية ضد المهاجرين إلى أوربا عموماً، وضد الإسلام والمسلمين على وجه الخصوص، وتسعى لاستفزازهم واحتقار مشاعرهم ومعتقداتهم، تارة بحجة مقاومة الإرهاب، وتارة باسم حرية التعبير، ومن الأمثلة على ذلك: الرسوم والأفلام المسيئة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وغيرها من الدعوات العنصرية، فأدى ذلك إلى زيادة الشحن والاحتقان في صفوف هذه الجاليات، وسوّغت لنفسها الانتقام واللجوء إلى العنف والعمل المسلح ضد من يتبنى هذه التصرفات والأفعال نحوهم ونحو الإسلام والمسلمين، وتطورت لاحقاً إلى الانتقام من المجتمعات الغربية عموماً.