السبت 16 أبريل 2016 / 21:01

بيان القمة الإسلامية: رسالة قوية ورسائل ناقصة

سبق مؤتمر منظمة التعاون الاسلامي حدث يوازيه، إن لم يفقه، أهمية، أقصد زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى مصر، وما أسفرت عنه من مبادرات تأتي في صلب التعاون العربي، فبدت مخرجات المؤتمر في أسطنبول بالمقارنة وكأنها مجرد ظاهرة صوتية، وإن اكتسب بيان إسطنبول زخمه وأهميته من ذلك الموقف المدوي من إيران وحزب الله

ولعل زيارة وليّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى عمَّان وأبوظبي، تؤكد نجاح زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى مصر، التي كانت قمة مصغرة نأت بنفسها عن البيانات وأظهرت أهمية العمل المشترك وتوحيد الجهود، ولعل التصريحات الأخيرة لولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، تضيء جانبا مهما فيما يخص قوة التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ونجاحه في اليمن عندما أشار سموه إلى أن القوة لا تستمد من القدرة العسكرية وحدها، بل تنبع من التماسك والتلاحم، الذي يصهر الوطن في عائلة واحدة.

وقد تزامنت تصريحات ولي عهد أبوظبي مع قمة التعاون الإسلامي في أسطنبول، مؤكدة انّ التعاون هو السبيل لمواجهة التحديات وأن التكامل بين دول المنطقة هو الطريق الأقصر للقضاء على مخاطر الإرهاب. ولابد أن يشكل التعاون والتكامل ,في هذا السياق, اعترافا بالتنوع والاختلاف بين دول المنطقة، فالتكامل لا يقتضي التشابه واستنساخ التجارب , كما أن التعاون لا يتطلب منظورا أحاديا بقدر ما يتطلب توحيد الجهود للقضاء على الإرهاب من جهة، والاعتراف من جهة أخرى, بقيمة التعدد والتنوع والاختلاف الفكري.

إن دعوة منظمة التعاون الإسلامي في بيانها بعيد اجتماع القمة في اسطنبول لاتباع استراتيجية إسلامية شاملة لمحاربة الإرهاب والتطرف هي دعوة مهمة وأساسية، ولا ينبغي لها أن تقتصر على التحالفات العسكرية والشرطية والأمنية، فقد أثبتت التجارب في مثل هذه التحالفات العسكرية أنّ قيامها بمعزل عن الحوار بين الدول الإسلامية يهدد نجاحها واستمراريتها وتحقيقها النتائج المرجوة، فالتحالفات العسكرية تحتاج قبل أي شيء إلى حوار جاد يفضي إلى الاعتراف بالتنوع والتعدد، ولا ينبغي للتحالف العسكري أن يدير ظهره للحوار الفكري وإلا ستكون من نتائجه أحادية في الاعتقاد وتشابه في المذهب، إذ على الدول الإسلامية وخاصة تركيا وإيران والسعودية أن تحترم الخيارات الدينية والاتجاهات المذهبية والاعتقادات الإسلامية التي تنتهجها كل دولة إسلامية على حدة، فلا تحاول أن تتصور بأن التحالفات العسكرية، تقتضي تشابها وامتزاجا واتفاقا دينيا يلغي الفروقات والخصوصيات، ذلك أن التنوع والتعدد والانفتاح هو الغاية والأمل والهدف لنهوض العالم الإسلامي من جديد، ولذلك كان من المستغرب أَن لا يتضمن بيان التعاون الإسلامي دعوة صريحة لاحترام الاختلاف والتنوع والتعدد، ولعل تجربة الاتحاد الأوروبي واضحة المعالم وماثلة أمام أعيننا، لمن ينظر إليها من هذه الزاوية.

كان أهم ما في القمة الإسلامية وبيانها، إذن، أنهما وجها رسالة واضحة لا لبس فيها لإيران ودورها المشبوه في المنطقة، فبدت إيران المتهم الأول والأوحد، حيث لم تكف يوما عن نشر الإرهاب في المنطقة، محركة خيالاتها الظلية في اليمن وسوريا والعراق والبحرين والصومال، إضافة إلى تدخلاتها المشينة في المملكة العربية السعودية، ومؤامراتها ضد البعثة الدوبلوماسية السعودية في إيران. وهذا البيان التاريخي يظهر نجاح الجهود الدبلوماسية السعودية في حملتها ضد الإرهاب بشكل عام ووقوفها صفا واحدا مع حلفائها في مواجهة المد الإيراني.

ولعله مما يؤخذ على بيان القمة أن تنظيم داعش الإرهابي، لم يحظ بمساحة واضحة تتناسب مع خطورته، فلم نر موقفا واضحا ضده، ما عدا إشارة عابرة أكدت استنكار جرائم داعش في العراق رغم أن جرائم داعش لا تنحصر في العراق، بل بات مهددا لاستقرار كثير من الدول مثل مصر وسوريا واليمن وليبيا والسعودية والدول الأوروبية. كما أغفلت منظمة التعاون الإسلامي في هذا السياق المنظمات الإرهابية الإسلامية، إلا في خطرها القريب في المنطقة، تاركة أو حتى غاضة الطرف عن الويلات والكوارث التي سببتها هذه التنظيمات في العالم أجمع. وبذلك بقي البيان في نظرته إلى المنظمات الإرهابية محصورا في حيّز جغرافي محدد رغم أنها منظمات إرهابية عالمية، ومن ثم فإن البيان اكتفى بنزعة بلاغية قولية اعتادها العرب والمسلمون من مثل "الإدانة" و"الرفض" و"الدعوة" و"الاستنكار" و"الشجب".
ومن الواضح أن فلسطين التي ما زالت توصف بالقضية المركزية قد غابت هي الأخرى عن البيان , وجاء حضورها إنشائيا, وكذا الحال فيما يخص اللاجئين السوريين الذين تحولوا إلى عهدة تركيا بعد تلك الاتفاقات التي أبرمتها أنقرة مع أوروبا.

وبالعودة إلى إيران، لابد أن يستوقفنا موقف حسن روحاني من بيان القمة التي سبقتها هجمة مساعد الخارجية الايرانية للشؤون القانونية والدولية عباس عراقجي الذي وصل إلى حد يصعب السكوت عنه حين هدد بأن المنظمة ستندم مستقبلاً على المواقف التي اتخذتها ضد إيران وحزب الله. وفي مثل هذا التهديد يبرز عنصران: فإما أن إيران تهدف إلى توسيع دائرة أعدائها من الدول الإسلامية بالهجوم والإرهاب وشن المزيد من حملات الكراهية والطائفية والتعصب، وإما أن التهديد يقصد بأن العالم الإسلامي لن تقوم له قيامة بعد زوال النظام الصفوي البائس وحزب الله، وكأنهما حارسان لمقتدرات الأمة التي عانت وما تزال تعاني من التمزق جراء المماحكات والمؤآمرات المستمرة من قبل النظام الإيراني وحزب الله.

ويبقى أن الضغط الكلامي المهم الذي مورس ضد إيران وترددت أصداؤه في أروقة السياسة في طهران، لابد من أن يستكمل بخطوات ملموسة، لاسيما في اليمن وسوريا والعراق، بما يضمن عودة تلك الدول إلى محيطها العربي، ويسلب إيران فرصة المشي الخطر على حبال الطائفية والمذهبية التي لا تودي إلا إلى المهالك.