الخميس 28 أبريل 2016 / 19:50

هل تحولت اتفاقية "سايكس/ بيكو" من كابوس إلى حلم؟

فكرت فى أن أكتب هذا المقال لكي أدعو العرب للاحتفال بمرور قرن على توقيع اتفاقية "سايكس/ بيكو" وإقامة تمثال لكل منهما، فى دمشق وبغداد واليمن وليبيا.. ولكن قلبي - مع ذلك - لم يطاوعني

أنتمي إلى الجيل العربي الذي كانت اتفاقية "سايكس/ بيكو" بداية سلسلة العقد النفسية التي أصابته وتحكمت فى مصيره وأجهضت أحلامه، مع أننا لم نكن قد ولدنا بعد، حين جرى التوقيع عليها، بل كان آباؤنا لا يزالون أطفالاً حين حدث ذلك، وسوف تحل الذكرى المئوية على هذا التوقيع فى 16 مايو (أيار) 2016، من دون أن يربط أحفادنا بين ما يحدث لأمتهم هذه الأيام، وبين نصوصها.

وقصة هذه الاتفاقية، تعود إلى نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث أصبح واضحاً أن ألمانيا وحلفاءها قد خسروا الحرب، وأن الأوان قد حان للاتفاق على تقسيم تركة الإمبراطورية العثمانية - التي تحالفت مع الألمان في هذه الحرب - بين المنتصرين، فدخلت كل من فرنسا وبريطانيا في مفاوضات مثل فيها كل منهما مندوب سام لشؤون الشرق الأدنى، هما جورج بيكو ومارك سايكس لتنتهي المفاوضات بينهما إلى الاتفاق على أن تحصل فرنسا على كل من سوريا ولبنان والموصل وكليكيه بينما تحصل بريطانيا على ما عرف بعد ذلك بـ"شرق الأردن والعراق وشمال فلسطين»"، على أن توضع بقية فلسطين تحت حكم دولي.

وبصرف النظر عن بعض التغيرات التى لحقت بالخريطة المرفقة بالاتفاقية بسبب انسحاب روسيا التى شاركت في مفاوضات توقيعها وحصلت - في البداية - على حصة من الغنائم، في أعقاب انتصار الثورة البلشفية وتنازلت عن نصيبها، وإعلان بريطانيا منح وعد بلفور للحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود بفلسطين والثورات العربية فى سوريا والعراق، والخلافات التي نشأت بعد ذلك في مؤتمر الصلح بين فرنسا وبريطانيا بشأنها، فقد كانت اتفاقية سايكس/ بيكو - من وجهة النظر العربية - إجهاضاً لحلم العرب فى إقامة دول عربية موحدة، تشمل الشرق العربي وبداية لتقسيم الوطن العربي إلى الدول العربية.

وهكذا دخلت اتفاقية سايكس/ بيكو ذاكرة جيلنا والأجيال التى سبقتنا وتلتنا، باعتبارها الكارثة التى حاقت بالأمة العربية، ومزقت سوريا ولبنان والعراق وفلسطين، وأسست الدولة القطرية ورسخت مفهومها، على النحو الذى خلق ظروفاً أدت إلى فشل كل محاولات الوحدة العربية التي جرت بعد ذلك من الجامعة العربية عام 1945، إلى الوحدة المصرية السورية التى تحطمت عام 1961.

ومن مشروع الوحدة السورية المصرية العراقية عام 1963 الذي لم يعش سوى ثلاثة شهور، إلى مشروع الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا وليبيا عام 1971 الذى كان مجرد مناورة سياسية لجأ إليها الرئيس الراحل أنور السادات، ليتخلص من منافسيه على السلطة من ورثة الزعيم جمال عبد الناصر، وما كادت تحقق الغرض منها حتى فككها ببساطة.

ومن مشروع الوحدة السورية العراقية عام 1979، الذي جرى الاتفاق بشأنه بين نظامين ينتميان إلى قيادتين خطيرتين لحزب وحدوي واحد، هو حزب البعث العربي الاشتراكي، لينتهي بإعدام عدد من قادة حزب البعث فى العراق بتهمة أن المشروع بمجمله كان مؤامرة تستهدف التخلص من الرئيس القائد صدام حسين، إلى مشروعات الوحدة العربية التى لا حصر لها التي لم يكف الأخ معمر القذافي عن الدعوة إليها، ليقوده اليأس من تحقيقها والفشل فى إنجازها فى سنوات حكمه الأخيرة، لاستبدال شعار الوحدة العربية، بشعار الوحدة الإفريقية، على أمل أن يحصل على لقب أمين الوحدة الإفريقية!

والسؤال الذى يشغلني منذ سنوات، والذى يلح عليّ بقوة بمناسبة مرور قرن على توقيع اتفاقية سايكس/ بيكو هو: هل كانت هذه الاتفاقية كما ظل - وربما لا يزال - جيلنا يعتقد هى السبب الوحيد فى هذا الفشل المتوالي فى إقامة أي شكل من أشكال الوحدة العربية خلال القرن الذى انقضى منذ توقيعها؟ أم أن هناك أسباباً أخرى قد حالت دون ذلك قد يكون من بينها أن معظم هذه الأشكال كانت قفزاً على واقع التجزئة الذى استمر لقرون، ويتطلب عقوداً تكفى لتمهيد الأرض للتغلب على آثار هذه التجزئة؟

وبينما أبحث عن إجابة لهذا السؤال، تنبهت إلى أن ما تتعرض له الأمة خلال السنوات الأخيرة، قد حوّل اتفاقية سايكس/ بيكو من كابوس إلى حلم.. صحيح أنها رسخت للتجزئة حين أسست لإقامة الدولة العربية القطرية، ولكنها على أي الأحوال حافظت على كيانات تتسم بقدر من الوحدة والتماسك، بينما نواجه بعد قرن من توقيعها بخطر أن تتفكك هذه الكيانات، لتنقسم بعض دولها إلى دولتين أو ثلاث، ويصبح لكل مدينة من مدنها أو قرية من قراها، دولة وعلم ونشيد.. ساعتها فكرت فى أن أكتب هذا المقال لكي أدعو العرب للاحتفال بمرور قرن على توقيع اتفاقية سايكس/ بيكو وإقامة تمثال لكل منهما، فى دمشق وبغداد واليمن وليبيا.. ولكن قلبي - مع ذلك - لم يطاوعني.