الثلاثاء 25 أكتوبر 2016 / 18:20

وقار نوبل للآداب في وضع احتقار

موقف بوب ديلان أصاب الجميع بالذهول والحيرة ووصفت اللجنة سلوكه بغير المتأدّب والمتغطرس

1-
مارست جائزة نوبل الآداب منذ أكثر من قرن دور الولاعة الحراقة لقلوب عشاقها الكتاب الرجال، كما مثلت دور الدونجوان الساحر المغرر بالمراهقات يشحنهنّ بمصروف لغوي دون رصيد في بنك المشاعر ويأخذ منهن مساحة في الحلم. ثمّ يزوّر .

هذه الجائزة العجوز ما فتئتْ تغري الرجال والنساء معاً على أنهم في مستواها، وهي في متناولهم ، فقد أخذها الكبار والمتوسطون والعاديون من الأدباء والكتاب و صنعت الانتظارَ في شهر أكتوبر، وخلقت المنجمين والعرافين في دنيا الأدب وألهبت خيال الصحافة الثقافية في مختلف اللغات، وحاول الكاتب الفرنسي جان بول سارتر أن يرفضها مبدئياً، ففازت الجائزة برفضه لها، وحين أراد هذا الفيلسوف أن يتراجع ويلحق بأموال الجائزة المرفوضة مبدئياً، قيل له: فاتك القطار.

2-
هذا العام، 2016 ، كانت التكهنات كالعادة ترتفع وتنخفض، وتنزل أسماء وتصعد أسماء ويتم الالتفات إلى وجه غير معروف إطلاقاً حتى تكون لجنة نوبل هي صاحبة القول الفصل، في البوح باسم الفائز.
  
وكل الصحافة الثقافية في العالم في أكتوبر كانت في حالة الحمى والاحتقان لدى الأدباء الذين قد يصابون بنوبل للاداب. فهي ترى وتراقب ما يحدث قبل الجائزة، وتتكهن وتتوقع، وتمارس التنجيم الأدبي الذي يكذب في أغلب الأحوال، فلكم راوغت لجنة نوبل آراء ونبوءات المتوقعين الذي وقع أغلبهم في الخطإ ، حتى لكأنّ اللجنة تتلذذ بالمراوغة وهي تلعب لعبتها في إسناد أهم وأخطر جائزة فوق الارض لحد الآن.
  
3-
إنّ كل السيناريو ينتهي بعد اعلان الجوائز ويبدأ أهل الصحافة الثقافية في إعداد الملفات عن الأديب الفائز، إذا كان معروفاً، وتبحث عنه إذا لم يكن معروفاً، وتقدّم آثاره إذا تمت ترجمتها إلى اللغة الأُمّ، وتتسابق دور النشر إلى ترجمة أعمال الأديب النوبلي.

ولكن شيئاً من هذا لا يحدث مع بوب ديلان، فالرجل منكفئ على ذاته بعد سماع خبر فوزه ، والطريف أنه لم يكن يردّ على هاتف نوبل، وهو أمر لم يحدث أبداً كما لم يحدث أبداً ـن نال نوبل للآداب شاعر وملحن و مطرب، قبل بوب ديلان .

4-
إنّ لجنة نوبل مضطرة الآن للانتظار، في ذلّة، وخنوع للمطرب الذي أكرمته بالجائزة ، حتى يكون حاضراً يوم 10 ديسمبر (كانون الأول) موعد تسليم الجائزة .

فموقف بوب ديلان أصاب الجميع بالذهول والحيرة ووصفت اللجنة سلوكه بغير المتأدّب والمتغطرس، في البداية، وهذا ما جعل الجائزة تدخل في باب ردّة الفعل على الشرف المخدوش لهذه الجائزة. ثم صامت اللجنة عن التعليق.

 5-
 لعل بوب ديلان كان يمارس نوعاً من الإغراء حين صمت عن القبول أو الرفض، فهو لم يرفض على ما يبدو، ولكن امتناعه عن التعليق كان موضع مساءلة ؟

ولعله كان غير مصدق بأن الجائزة صارت من نصيبه، ولعله لم يكن ينتظر جائزة من هذا النوع ؟ ولعل هذا الشاعر الملحن المطرب أيقونة الروك في الستينات استصغر المبلغ المالي الذي يستعظمه الأدباء الفقراء؟ ولعله أراد أن ينتقم لأجيال من الأدباء الذين ماتوا بالشيخوخة والديخوخة من فرط متابعة جائزة تشبه الولاية التي لا تعطى لمن يطلبها. ولعل بوب ديلان يرى أن جماعة نوبل خانوا وصية الرجل حين أهدوا الجائزة الى أهل الطرب، وأصحاب الألبومات الغنائية، لا إلى أهل الادب وصناعة الكتب.

  6-
وحدها الأيام سوف تكشف لنا حقيقة موقف بوب ديلان، كما كشفت الأعوام حقيقة وخفايا رفض سارتر لنوبل، وقد أراد ان يبتزّ مالها ويتنصل من لقبها فرفضت الجائزةُ مقترح هذا الفيلسوفَ الرافض، واحتفظت منه بهذا البريق حتى ليصح القول إن جائزة نوبل تختار ضحاياها، وتتزين بهم راضين بها أو منها غاضبين. حتى تظل نجمة في الوقار كما في الاحتقار.