تظاهرة نسائية ضد الإرهاب امام البرلمان التونسي.(أرشيف)
تظاهرة نسائية ضد الإرهاب امام البرلمان التونسي.(أرشيف)
الجمعة 20 يناير 2017 / 19:58

البحث عن قاموس في تونس؟

عدم الاتفاق عَلى تسمية ما حدث في 14 يناير هو ما خلق الالتباس لدى التونسيين في تعريفهم وتوصيفهم توصيفاً صحيحاً، وفي اتخاذ ما يلزم من تدابير واجراءات

1-
ماذا يمكن تسمية وتعريف ما حدث في تونس في 2011؟
فقد اجتهدت الأفهام والأفكار في تسمية ما حدث، ولم تتفق على أنها ثورة، غير أن هذه الكلمة هي الأكثر سلطة أو تسلطاً من كلمات أخرى مثل: انتفاضة، وفوضى خلاقة، وربيع عربي أو عبري، وياسمين تونسي. أو نواة الحركة الجهادية، أو مؤامرة عالمية، أو تحويل وجهة نظام صار شبيهاً بالطائرة، وما حدث هو أن عصابة تسللت من بين الركاب و قاموا بتحويل وجهتها.
  
وأما كلمة انقلاب فلا يحبها الإخوان المسلمون (حركة النهضة) ولا يخلعونها على الرئيس المخلوع، لأنهم يعتبرونها تنقيصاً من وزن ثورة علماً أن الإخوان لم يخرجوا إلى الشوارع، ولم يساهموا إلا بالفرجة والصمت ثم بالانقضاض على الثورة الوليمة، لقد صار الإخوان يؤمنون، بعد خروجهم الأحمق من صندوق الشعب الديمقراطي، فبالديمقراطية جاؤوا إلى البرلمان، وبالثورة خرجوا من السجن وانطلقوا مباشرة إلى السلطة يمارسون ما تعلّموه من خبرة المساجين.

2-
إن تسمية ما حدث وتوحيد التعريف في قاموس شامل ودقيق هو أمر على غاية الأهمية، ولكن الذي لا خلاف عليه هو أن حرية التعبير صارت متاحة، وأما الأمن فلم يعد متاحاً بالقدر المطلوب، وغلاء الأسعار لم يعد قضية تعني الحاكم الذي كان يخاف من الشعب، فالحاكم الآن صار شعبياً، ولا يخاف من الشعب، ولا يستحي من غلاء الرغيف، أو نعته بالفساد، والجريمة صارت لا تعني الجريمة لأنها باتت بلا عقاب، والقضاء ما زال خاضعاً، كما كان قبل أحداث 14 يناير للحزب الحاكم، ويأتمر بأوامر النظام القائم، ولا يمكن له أن يفلت من السيطرة. والقضاء مستقل في اللغة عند البعض، وتابع لإملاءات السلطة عند البعض الآخر.

3-
ولان تسمية كل ما حدث لم تعد محل توافق، فان أي تسمية أخرى لن تكون في محلها، وما يراد طرحه الآن من قضية الأبناء والبنات التونسيين الذين استخدمتهم جهات تونسية وأحزاب أجنبية ودوّل لتنفيذ عمليات جهادية في بؤر التوتر من أجل الإطاحة ببعض الأنظمة القائمة حتى يعودوا إلى تونس بعد أن خرجوا منها، بجوازات سفر مزيفة، وفي ظروف غامضة أو ضبابية، وتم تسريحهم عبر ليبيا وتركيا وسوريا، وها هم يريدون العودة، إلى أين؟.. إلى وطنهم بعد أن اعتبروا الوطن مثل الإخواني سيد قطب (مجرد حفنة من تراب.!). فما هو الوطن الذي سيعود إليه الجهاديون؟ إذا كان الوطن غير موجود في قاموسهم؟

4-
إن عدم الاتفاق عَلى تسمية ما حدث في 14 يناير هو ما خلق الالتباس لدى التونسيين في تعريفهم وتوصيفهم توصيفاً صحيحاً، وفي اتخاذ ما يلزم من تدابير واجراءات، فالإخوان المسلمون في تونس يسمون الذين اختاروا الجهاد والانتماء الى داعش، بـ "العائدين من بؤر التوتر"، وكأن بؤر التوتر التي ذهب اليها التونسيون كثيرة في العالم وتتجاوز العالم العربي، كأن المقصود بها هي ما يوجد من توتر في فنزويلا أو البرازيل أو الكونغو!

5-
إن بؤر التوتر تعَدُّ على أصابع اليد الواحدة. وطبعاً هم يقصدون تسمية تعميمية حتى لا يقولوا "سوريا" وما تعنيه من توتر، فالإخوان في النهضة كانوا يَرَوْن أن ثورة الإخوان في سوريا ستكون حليفة لهم في تونس وتدعم قوة الحكم الإخواني، بعد أن خسروا الرهان على الإخوان في مصر المحروسة. وحق العودة، يستند إلى أهل القانون والقضاء والحقوقيين الأشاوس!

وهذا ما يستند إليه راشد الغنوشي الذي يذكر بأن الزعيم بورقيبة نص على حق العودة لأي تونسي خارج الوطن؟
ولكن هناك من يتساءل مفجوعاً في وطنيته: وهل هؤلاء الذين جاوزوا حدود البلاد دون جواز سفر قانوني، هم تونسيون أم جهاديون بلا هوية أو جنسية؟ 

6-
لم تكن اللغة ترفاً في أي عصر بشري، فهي حاجة، ولا يوجد اسمان لشيء واحد، فالجهاديّ الذاهب إلى اقامة الخلافة الإسلامية ليس عائداً من مناطق التوتر. إن البحث عن قاموس موحد للمصطلحات كفيل بتوضيح ما تحياه تونس حيث لم يتم الفرز بعد بين العدو والصديق.والألوان لا تتشابه إلا لدى الذين يعانون من عمى الألوان، ولكن قد يصاب العقل بالزكام والمتنبي قال "وليس يصحُّ في الأفهام شيءٌ / إذا احتاج النهارُ إلى دليل".