المعارض السوري لؤي حسين.(أرشيف)
المعارض السوري لؤي حسين.(أرشيف)
الإثنين 13 فبراير 2017 / 20:21

منصات سوريا ومنصات فلسطين بين جنيف وأوسلو

المنصات السورية والفلسطينية غيرالمتفقة على هدف إسقاط النظام السوري/ الاحتلال الإسرائيلي، وعلى آليات تحقيق هذا، أو ذاك،الهدف، لن تصل إلى نتيجة، أو إلى قاسم مشترك، على الرغم من أهمية هدف إنهاء الحرب

من يذكر النقاط الست في بيان كوفي عنان، حين كان مبعوثاً للأمين العام للأمم المتحدة لحل "الأزمة السورية" عام 2012، النقاط التي أسست لبيان جنيف 1 لعام 2012؟ غالباً، لا أحد يتذكر سوى العنوان، على الرغم من تكرار وفود المعارضة لتلك البنود المتضمنة في وثيقة العاصمة الأممية في أوروبا.

الفرق بين بيان "جنيف1" الذي طالب النظام الأسدي بالموافقة على تشكيل هيئة حكم انتقالي تمهيداً لإنهاء الحرب على سوريا، وبين اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، هو في اعتراف طرفي أوسلو بالاتفاق، نظرياً على الأقل، بينما لا يرى النظام الأسدي من "جنيف1" سوى إملاء من الأمم المتحدة تحاول أن تفرضه على "الحكومة الشرعية" بالاتفاق مع "العصابات المسلحة".

نقاط أنان الست، وبنود وثيقة جنيف 1، مثلهما مثل اتفاق أوسلو، جاءت عمومية دون تفاصيل دقيقة، كأساس لتفاوض طويل أراد منه واضعوه أن يكون مجرد بداية تنهي الحرب. في اتفاق أوسلو، توقع المراقبون أن يستمر التفاوض عشرات السنوات، لكن دون حرب. هذا إذا استثنينا انتفاضة الأقصى، والحروب الإسرائيلية على غزة، وعدداً لا يُحصى من الاعتداءات على أراضي الضفة الغربية، أهمها بناء جدار الفصل العنصري، كنوع من الاعتداء على جغرافيا المناطق المتنازع عليها التي صنفها "أوسلو" إلى مناطق: أ، ب، ج!

خرج أوسلو من أقبية عاصمة النرويج بسلاسة وسرعة بعد سنتين وبضعة شهور من المفاوضات السرية، ابتداء من إقرار التفاوض على المسارات كافة عام 1991 بين إسرائيل وكلّ من سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، وبعد افتراق المسارات التفاوضية التي كان يُفترض فيها أن تشكل مساراً واحداً ينهي الصراع العربي الإسرائيلي، وليس فقط الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

إذاً، فأوسلو فك الارتباط بين دول الطوق لتبحث كل منها عن مصلحتها في التفاوض المباشر، بينما سيجمع "جنيف" الآتي بين أطراف المعارضة التي كان يمكن أن تغني الحياة السياسية في حالات الرخاء، لكنها في حالة الحرب على سوريا ستنعش الحرب وتطيل أمدها ما دام النظام لا يلقى صعوبة في ملاعبة كل طرف منها عسكرياً وسياسياً، خاصة مع الدعم اللامحدود من حلفائه الروس والإيرانيين. لكن السوريين تشابهوا مع الفلسطينيين في تعدد الأطراف، بالنظر إلى انفصال الأمر الواقع بين الضفة وغزة منذ صيف 2007.

بالطبع، أوجه الشبه عمومية، فحركة فتح حتى وهي تمثل حزب السلطة الواحد، منذ اتفاق أوسلو على الأقل، لا يقابلها النظام الأسدي في دمشق. كما أن حماس ليست نظيراً للمعارضات. لكن الدور الروسي في تعطيل الثورة السورية المأزومة أقرب ما يكون إلى ما فعلته إسرائيل وحليفها الأمريكي من تعطيل للاتفاق الفلسطيني- الإسرائيلي الذي وُلد ميتاً.

لدى السوريين أكثر من حماس، ففي كل منصة "فكر سياسي" متشدد، أو "واقعية"، وعلى كل منصة رقيب ممول، ولدى كل سياسي سوري سلم متحرك من القيم. وليس بين أفراد هذه المنصة، أوتلك، من اتفاق سوى على خجلهم من النطق باسم الضحايا، بعد العجز العام عن حمايتهم عسكرياً، أو سياسياً. فلدينا اليوم من المعارضات السياسية: الائتلاف، والهيئة العليا للمفاوضات، وهيئة التنسيق الوطنية، ومنصة القاهرة، ومنصة موسكو، ومنصة أستانة، ومنصة حميميم، وأخيراً منصة بيروت، إضافة إلى عشرات الفصائل العسكرية.

كل تلك منصات، لتوحيد الاصطلاح فقط، لكن ليس بينها يسار، أو يمين، أو وسط، فمعيار الميل إلى إحداها، أو البعد عنها، بالنسبة لأي سوري، هو قربها من النظام الأسدي، أو بعدها عنه. ويمكن القول إن منصة بيروت، أو "الكتلة الوطنية السورية"، بزعامة لؤي حسين، تنويع روسي جديد على منصات روسيا القديمة (دمشق، وموسكو، وحميميم، وأستانة)، أو ما يُطلق عليه "معارضة الداخل"، التي تختلف جذرياً مع "معارضة الخارج" في النظر إلى مقام الرئاسة باعتباره "خطاً أحمر"، أو بتعبير منصة بيروت: "مقام رئاسة الجمهورية السورية لا يجوز البت فيه في المحافل الدولية". نلاحظ هنا حذف صفة العربية في "الجمهورية السورية"، وهو ما يتوافق مع مضمون الدستور الروسي لسوريا بعد فضح مضمونه في "أستانة".

وبفارق بسيط في التوقيت، ضاعت أمنية روسيا بإلحاق "منصة بيروت" في اجتماع جنيف4 في 20 فبراير (شباط) الجاري، بعد تشكيل المعارضة وفدها الموحد المبارك من دي ميستورا، لكن وجود منصتي القاهرة وموسكو قد يرضي روسيا في هذه المرحلة، في انتظار المحطة المقبلة من ماراثون التفاوض على غرار ما يحدث في أوسلو الفلسطينيين.

فالمنصات السورية والفلسطينية غيرالمتفقة على هدف إسقاط النظام السوري/ الاحتلال الإسرائيلي، وعلى آليات تحقيق هذا، أو ذاك،الهدف، لن تصل إلى نتيجة، أو إلى قاسم مشترك، على الرغم من أهمية هدف إنهاء الحرب.

هناك، في فلسطين، الهدف هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة (الإسرائيليون والأمم المتحدة يقولان "الانسحاب من أراضٍ محتلة عام 1967"). أما في سوريا غير الروسية، وغير الأسدية، فالهدف تشكيل هيئة حكم انتقالي لا دور لبشار الأسد فيها، مع المحافظة على الجيش ومؤسسات الدولة.

أما هدف منصة بيروت، وأخواتها، فهو المحافظة على قرار الشعب السوري في اختيار رئيسه، الرئيس الذي سينهي ولايته "الدستورية" الثالثة في عام 2021، والإقرار بحقه في الترشح لولاية رابعة من سبع سنوات بعد أن خلف والده في الرئاسة عام 2000!

وبالنسج على المنوال ذاته، لأوسلو الأمس، وجنيف الغد، إسرائيل باقية وتتمدد، والنظام الأسدي باق ويتمدد، وفتح وحماس باقيتان، وحزب الله وإيرانه باقيان، والمعارضات باقية، وداعش باق حتى لو دخل الخليفة السرداب. أما شعوب سوريا الطبيعية فتنظرإلى ضوء في آخر النفق، إن هنالك ضوء، أو نفق.