الكاتب الفرنسي ألبير كامو. (أرشيف)
الكاتب الفرنسي ألبير كامو. (أرشيف)
الثلاثاء 28 فبراير 2017 / 20:06

الجزائر بين كامو وماكرون

بين ألبير كامو وإيمانويل ماكرون، ستون عاماً، والجملتان الشهيرتان ستلاحقان صاحبيهما، مثل سقطة دالة، وزلة لسان ذات مغازٍعميقة ولكنهما ملتزمتان في الصميم بالمصلحة الوطنية الفرنسية

1- 
عام 1830 استعمرت فرنسا الجزائر استعماراً بلا رحمة، دام 132 عاماً، سعت فرنسا خلالها جادة إلى ضمّ الجزائر مع الأرض الفرنسية، وسمتها في مناهج الدراسة في فرنسا وباقي مستعمراتها بنعت إلحاقي: l'Algérie française

وكان ثمن الاستقلال الجزائري عن فرنسا غالياً قاسياً دامياً، حتى سميت الجزائر بلد المليون شهيد، وخلال هذه الفترة الاستعمارية الطويلة، نسبياً اذا قورنت بالحالة التونسية أو المغربية، كانت نية الاستعمار تستهدف ثروات الجزائر الطبيعية والثقافية .

2-
قامت إيديولوجية الاستعمار الفرنسي، على عماد تعليم اللغة الفرنسية، واهتمت بتحويل الأرض لصالحها، وتطويع لسان الإنسان فوق الأرض المستعمرة لخدمة ثقافتها، وهذا أمر نفذته فرنسا حيثما حلت بوجهها الاستعماري/ "الحضاري" ، وعملت طويلاً على الإنفاق المادي على تعليم اللغة الفرنسية وآدابها وعاداتها وتقاليدها في اللباس والشرب والطعام والترويج لنجومها في الأدب والسينما والأغنية، والرسم التشكيلي، والصحافة وتسللت إلى مناهج التدريس .

3-
لم تكن مهمة المستعمر سهلة، وكان وجوده مرفوضاً من قبل الجزائريين، فكان الصدام والصد للمشروع الاستيطاني، وخلف هذا الرفض ضحايا، وخلق هذا النزاع أنصاراً حتى من بعض القوى التقدمية الفرنسية. وولدت أفكار كثيرة حول هذا المستعمر الغازي الذي جاء بالعلم والمدرسة العصرية والشك الديكارتي وشعار التنوير "أدفع دمي من أجل أن تقول رأيك" إلى أرض الخرافة، والجهل والتعصب، عند الرأي العام الفرنسي، ولكنه، لدى البعض الاخر جاء للسخرية من الثافة العربية والتقليل من شأنها والعمل على طمس معالم الهوية العربية الإسلامية .

4-
خلال هذه الفترة أصبحت اللغة الفرنسية كياناً ثقافياً، وصارت لغة الكتابة والأدب لساناً ثانياً في الجزائر حتى إن بعض الجزائريين صاروا أدباء ونجوماً في لغة "موليير" واكتسحت مؤلفاتهم سوقَ القراءة في كبريات دور النشر في فرنسا والبلدان الفرنكوفونية، وصارت أسماء الأدباء الجزائريين الكاتبين باللسان الفرنسي ظاهرة حيّة ولافتة خلقت أسماء مثل: كاتب ياسين، ومولود فرعون، ومالك حداد، ومحمد ديب وغيرهم.

5-
وفي هذه اللحظة الاستعمارية الفارقة، كان يولد عام 1913 بالجزائر كاتب وفيلسوف ومسرحي وصحفي فرنسي الأب، إسباني الام، واسمه ألبير كامو. وسيصبح نجماً يتوهج فهو صاحب "الإنسان المتمرد" و"أسطورة سيزيف" وروايته "الغريب" أوصلته في أسرع وقت إلى أرفع جائزة عالمية، نوبل للآداب لسنة1957 ، وستساهم هذه الجائزة في لفت الأنظار اليه، وتتبع كل ما يتفوّه به لسانه أو يخطه قلمه، إلى أن حصل ما لم ينتبه إليه البير كامو في "أوسلو"، وهو يخاطب الناس الذين جاءوا للاستماع إليه في ندوة صحافية عندما قال عبارته التي لقيت من التأويل الشيء الكثير مما سوف يضطره إلى كتابة توضيح في جريدة لوموند لكلمته (السقطة) وهي: "بين العدالة وأمي، فإني أدافع عن أمي أولاً"، ويعتبر هذه العبارة قد انتزعت من سياقها العام في الحديث العام .

عندما كان ألبير كامو يحكي في أوسلو، ويشرح آراءه، نهض له من بين الحاضرين شاب مناضل من جبهة التحرير الجزائرية، ووصف كامو بأبشع النعوت دون أن تكون ردة فعل كامو قاسية، فقد بلع الطعم، ودعا المناضل الجزائري إلى سماع رأي كامو إلى آخر كلمة.

قال ألبير كامو كلاماً عن الشارع الجزائري وعن الترهيب الذي قد يتعرض له هو أو احد أفراد أسرته، وقال كلمته التي ستأخذ أبعاداً كثيرة في التأويل، وفهم منه أن أم ّ كامو ليست غير فرنسا، وانتشر رأي يقول، إن دفاع البير كامو عن الحرية كان كاذباً، وأن الجزائر الذبيحة ليست أمه، ولكن فرنسا الجزارة هي أمّ ألبير كامو. في تلك السنة، 1957 ، كان ألبير كامو قد بلغ نجومية وفرتها له كتاباته. ولم يكن محلّ تقدير من أدباء الجزائر فهو كاتب إشكالي، ويتعامل قطاع واسع من المثقفين الجزائريين مع كامو، من خلال هذه الخلفية الموقفية التي كان يحملها عن الاستعمار الفرنسي للجزائر.

6-
حصل هذا مع ألبير مع كامو في أوسلو قبل ستين سنة، 1957 ، وكانت الجزائر تقاتل بشتى الوسائل من أجل الاستقلال، وعلى كل الجبهات وتكتب تاريخها بالدم، والحبر، وكان المناضلون من كل أنحاء العالم يساندون القضية الجزائرية، والجزائر ظالمة ومظلومة. إنّ سبب الصدى الذي ناله ألبير كامو متأتٍّ من كونه كاتباً بات مكرساً عالمياً ومن صناع الرأي العام، وكان العالم، قبل ستين سنة مقسوماً الى اشتراكي ورأسمالي.

7-
بعد ألبير كامو، وتصريحه المدوي، في أوسلو، وبعد ستين سنة 2017 يطلع المترشح للتشريعية الفرنسية، إيمانويل ماكرون، ويزور الجزائر، وأحبّ ان يخطب ودّ الجزائريين الحاملين للجنسية الفرنسية، ويكسب أصواتهم في فرنسا وهم بالملايين، ويمثلون أجيالاً كثيرة من الجزائريين .

لقد اعتقد إيمانويل ماكرون ( مواليد 1977) أنه سيربح أصوات الجزائريين الحاملين للجنسية الفرنسية، ويكسب تعاطف عشاق حقوق الإنسان من الفرنسيين، حين قال كلمته التي لن تمحى أبداً وهي: أن "الاستعمار هو جريمة ضد الإنسانية". وحين حاول إصلاحها أعاد صياغتها بشكل أسوأ: "فقد قلت إن الاستعمار هو جريمة ضد الكائن البشري".

8-
بين ألبير كامو وإيمانويل ماكرون، ستون عاماً، والجملتان الشهيرتان ستلاحقان صاحبيهما، مثل سقطة دالة، وزلة لسان ذات مغازٍعميقة ولكنهما ملتزمتان في الصميم بالمصلحة الوطنية الفرنسية، والضمير المعذَّب لمستعمر لم ينس أن له جرائم وضحايا. فهذا ألبير كامو يفضّل الدفاع عن أمّه قبل العدالة، ليكشف بعداً بيولوجياً أقوى من قضايا إنسانية مثل العدالة، وحق الشعوب في تقرير المصير. وهذا ماكرون يريد أن ينجو بجلده، ويقفز بأصوات أبناء وأحفاد ضحايا الأمس إلى قصر الأليزيه، وكان النفاق مطية والرئاسة من وراء القصد .