السبت 3 يونيو 2017 / 23:44

غرابيب سود والمعركة الواحدة

تابعت مسلسل "غرابيب سود" وتابعت أيضاً الموقف المندد به, وكأن المعركة الدائرة حول المسلسل تُشبه المعركة الأخرى التي تدور بين رجال الأمن البواسل والإرهابيين، أو لعلها معركة واحدة أساساً. يقولون : هذا مسلسل أساء إلى الإسلام؟ وكل من يملك عقلاً وإنصافاً يعلم أن المسلسل ليس فيه أدنى إساءة لأي دين. وكيف يساء للإسلام في هذا المسلسل، وأحد أبطاله الصديق راشد الشمراني (أبو أحمد)، الرجل المتدين الذي أشهد أننا عندما كنا نعمل في التلفزيون كان يتوتر أشد التوتر عندما يحضر وقت الصلاة خوفاً أن يخرج وقتها ونحن على الهواء! المسلسل يتحدث عن عالم الدواعش وقصصهم الصغيرة ويصف حياتهم الاجتماعية من الركض وراء الزواج السهل في عالم الدواعش، إلى ممارسة القتل بدم بارد، ولم يسء لأهل السنة بحرف واحد.
ويقولون: إن المسلسل أخذ وصفاً قرآنياً وأساء إليه. حسناً تعال أيها القارئ الكريم لننظر ما معنى (غرابيب سود). هاتان اللفظتان وردتا في سورة فاطر آية 27 (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جُددٌ بيضٌ وحمرٌ مختلفٌ ألوانها وغرابيب سود).

 يقول العلامة جار الله الزمخشري: "فإن قلت: الغربيب تأكيد للأسوَد، يقال: أسوَد غربيب، وأسوَد حُلكوك، وهو الذي أبعد في السواد وأغرب فيه، ومنه الغراب. ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد، كقولك: أصفر فاقع، وأبيض يَقَق، وما أشبه ذلك. وتعقب الزمخشري هذا بكلام متخصص ثم قال (ومن الجبال جُدد) بمعنى: ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود حتى يؤول إلى قولك "ومن الجبال مختلف ألوانه، كما قال "ثمراتٌ مختلف ألوانها".
هذا كل شيء. الآية تصف ألوان الجبال وأن منها الأبيض والأحمر والأسود الحالك. ولو أخذنا بقول هؤلاء فإنه يلزم إلا يكون هناك مسلسل يحمل اسم أي شيء ورد في القرآن (ينبوع أو حجر أو شجر أو نهر أو أي شيء على الإطلاق). هذا كلام متهافت لا يمكن أن يصدر من رأس عالم أو حتى عاقل، إلا إذا كان متعاطفاً مع الإرهاب أو داعماً له أو قابضاً ممن يدعمه أو (مُدرعماً) وراء من قبضوا. ولا يمكن لأي منصف أن يصف كاتب المسلسل بأنه أساء للقرآن، بأي صورة كانت. الصحيح أنه قد أحسن أيما إحسان حينما وصف قلب الداعشي بهذا الوصف، قلب أسوَد حُلكوك، قد أبعد في الأحقاد وأغرب حتى صار أكثر سواداً من الغراب، مع الاعتذار للغراب، فهو طائر من خلق الله لا يؤذي أحداً ولا يقتل الأبرياء.

وكتبت إحداهن : إن مسلسل "غرابيب سود " عمل يراد منه الانتقام من حي السويدي, لتصورها أن حي السويدي يقع في جزر الواق واق، أو أنها منطقة خارجة عن سيطرة الدولة. وهذا أيضاً كلام مضحك ويدل على جهل عميق فاقع بواقعنا، بالنسبة لهؤلاء المعارضين الذين يكتبون من العواصم الأوربية ويقتاتون على الفتات الذي يرسله لهم النظام القطري الحالي، داعم المعارضة السعودية الأول. حي السويدي حي من أحياء الرياض، مدينة الملك سلمان حفظه الله وأطال في عمره، وكل الرياض من شرقها إلى غربها تتيه فخراً بعشقها للملك سلمان بن عبد العزيز. لا يُستثنى من ذلك إلا الدواعش ودعاة التطرف وعشاق الثورات والدم، وهم قلّة قليلة من أعداء السلم الاجتماعي، وممن يعيشون أمراضاً نفسية معقدة.
دور الإعلام والفن والدراما جوهري في المعركة ضد الإرهاب والتطرف، وبلا شك سيكون له أثر في قطع جذور هواه من الأعماق، بالنسبة للمخدوعين، أما بالنسبة للداعم والراعي، فهذا مفروغ من أمره، فهو أشد عداوة ممن لف جسده بحزام ناسف. إنها بالفعل معركة واحدة لا مجال فيها للحياد، إما أن تكون مع الوطن أو أن تكون مع أعدائه. الحياد في مثل هذه القضايا سامج بلا لون ولا طعم ولا رائحة.