المنظر الإسلامي سيد قطب (أرشيف)
المنظر الإسلامي سيد قطب (أرشيف)
الأربعاء 19 يوليو 2017 / 20:11

التنظيم

الإخوان يستبيحون كل ما هو مُخالف لهم، يستبيحون الآخر الذي هو ليس منهم، يستبيحون دمه وماله

 في مذكرات علي عشماوي "التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين"، وهو أحد قادة التنظيم السري للإخوان، يقول إن الإخوان درسوا جميع التنظيمات العالمية حين حاولوا بناء نظامهم الخاص، وقد تأثروا بالفكر الباطني حيث كانت التنظيمات العباسية والعلوية وما صاحبهما من فرق سرية، مصدراً أساسياً تم الرجوع إليه، ودراسته، والاستنارة بأفكاره. وكانت هناك وقفة عميقة أمام فرقة الحشاشين أتباع مصطفى الصباحي. كان انبهار الإخوان بآليات السمع والطاعة لدى فرقة الحشاشين، وكيف أن الأفراد يسمعون ويطيعون حتى لو طُلب منهم قتل أنفسهم. وانبهر الإخوان أيضاً بالتنظيمات الإجرامية العالمية مثل المافيا، والتنظيمات الصهيونية، لما لهما من سيطرة على الأعضاء، وسطوة تصل إلى حد التصفية الجسدية إذا خالف العضو أمراً.

يقول سيد قطب إن أي تنظيم، يطبع أفراده بصفته. ليس مهماً عند سيد قطب، أن تكون الصفة، هي صفة الإجرام الملازمة للتنظيمات، وهي الصفة التي تعمل ضد الدولة والمجتمع، بل المهم هو أن هذه الصفة، تؤدي إلى السمع والطاعة. المُفارَقَة أن قادة تنظيم الإخوان كانت تخضع لمبدأ السمع والطاعة أمام الأجهزة الغربية الاستعمارية وتعمل لحسابها. على سبيل المثال حرب فلسطين التي يتفاخر بها الإخوان في تاريخهم، لم يدخلوا فيها إلا معارك قليلة جداً، وصدرتْ أوامر من الشيخ محمد فرغلي قائد كتائب الإخوان المسلمين في حرب 1948، وعضو مكتب الإرشاد، بعدم الدخول في معارك، بحجة أن هناك مؤامرة لتصفية المجاهدين، ولكن هذا في الأساس كان لحماية اليهود. وتم تنفيذ الأوامر، وظل الإخوان في معسكرهم لا يحاربون، إلى أن عادوا من فلسطين.

بدأ علي عشماوي في مُراجَعة جميع أعمال الإخوان التي كانوا يعتبرونها أمجاداً لهم، بعد معرفته بعلاقات العمالة والتبعية من قادة الإخوان للأجهزة الغربية والصهيونية. وأكَّد له سيد قطب، أن بعض الأسماء الكبيرة في الإخوان مثل عبد الرحمن السندي ومحمد خميس الذي كان وكيلاً للجماعة في عهد حسن الهضيبي، كانا من عملاء المخابرات الإنجليزية. كانت مُقاومة الإخوان المسلمين للإنجليز تتسم بالزيف، ففي حادثة فندق الملك جورج بالإسماعيلية الذي كان يعج بالإنجليز، وقد أراد الإخوان ضرب هذا الفندق، ولكن حين تم التنفيذ، أُفْرِغت العملية من أي تأثير ضار بالإنجليز، وقُتِل منفذ العملية، إذ كان على رفعت النجار أن يحمل دوسيهاً كبيراً به عبوة ناسفة، ويتركها في ردهة الفندق بجوار الحائط، خلف الستارة ثم يمضي خارج الفندق. كان المقصود هو إرهاب الإنجليز بالعملية، وليس إصابتهم إصابة جسيمة. لكن يبدو أن أحداً ما أبلغ ضابطاً إنجليزياً، فظهر فجأة أمام رفعت النجار الذي يحمل الدوسيه، فتسمَّر في مكانه، وانفجرتْ فيه العبوة الناسفة، وكانت كافية لقتله. وفي الزمن الحديث تفعل حركة حماس الإخوانية نفس الشيء مع إسرائيل، فترد على ضرب غزة، بصاروخين أو ثلاثة، ودائماً لا تصيب صواريخ حماس أحداً من اليهود أو أحد المباني.

سأل علي عشماوي على واحد من الإخوان اسمه محيي، وكان هارباً من الأمن، ومختبئاً في شقة إخواني آخر. علم علي عشماوي أن محيي بدَّل مكانه، وهو الآن مختبئ في بنسيون بحي الظاهر، وباسم محمد للتمويه. سأل علي عشماوي السيدة التي فتحتْ له الباب، عن محمد. قالت له بمجون: تقصد ميمي بك. رد علي عشماوي: وليكن. قادته السيدة إلى غرفة ميمي. كان محمد قد أطلق شاربه، وصفف شعره على الموضة. سأله علي عن ما حدث، وكيف جاء إلى هذا المكان. فأخرج محيي تحقيقاً للشخصية مختوماً باسم "محمد هلال". وقال لعلي بأن التاجر اليهودي "فيكتور نجرين"، هو الذي ساعدني، وجاء بي إلى هذا البنسيون الذي تديره سيدة يهودية، وتأوي فيه بنات الليل، وهكذا يكون المكان بعيداً عن أعين المباحث العامة. كلما قرأنا في أدبيات التنظيم السري، رأينا الباب الخلفي المُوارَب، بضوء معتم، وبحياء، بين اليهود والإخوان.

الإخوان يستبيحون كل ما هو مُخالف لهم، يستبيحون الآخر الذي هو ليس منهم، يستبيحون دمه وماله، وعلى هذا الأساس قاموا باغتيال الإخواني السيد فايز عندما خرج من التنظيم التابع لعبد الرحمن السندي، وانضم لتنظيم يوسف طلعت، ومع أن السيد فايز لم يخرج من عباءة الإخوان إلا أن الأوامر صدرتْ من السندي بقتل السيد فايز. بعثوا له بعلبة حلوى هدية، فلما فتحها قتلته، وقتلتْ معه أخاه الصغير الواقف بجواره. أصاب الإحباط علي عشماوي، وقرر الانسحاب حتى قبل أن يداهمه الاعتقال، ويدخل السجن. وتتالت عليه فتاوى التكفير من الجماعة، وساعد في قسوة الأمور ما صاحب الفتاوي من سمع وطاعة. وجد على عشماوي بعد خروجه من السجن، حكايات مؤلفة من الجماعة للتشهير به، وسبقته تلك الحكايات قبل سفره إلى أمريكا. وهكذا فهم يجيدون إيذاء كل مَنْ اختلف معهم، حتى وإن كان منهم في زمن سابق، وقد يصل هذا الأذى إلى حد القتل كما تعلموا في أروقة التنظيمات الإجرامية.