نائب الرئيس الأمريك مايك بنس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أف ب)
نائب الرئيس الأمريك مايك بنس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أف ب)
الإثنين 22 يناير 2018 / 20:32

في بيتنا بنس

في بيتنا الآن زائر ثقيل الظل اسمه بنس، وسنكسر الكثير من الفخار في وداعه

رد الفعل العربي والدولي الرافض لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل لم يرتق إلى مستوى إلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة، ولكنه شكل نكسة مؤقتة لسياستها المنحازة بالكامل لإسرائيل. ويبدو أن الإدارة الأمريكية التي اختارت أن تدير ظهرها للعالم وأن تصم آذانها عن صرخات الاحتجاج قررت المضي في مشروعها الساعي إلى إنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بما يضمن ترسيخ الاحتلال وتشريعه، وتمكين إسرائيل من فرض سيطرتها وسطوتها ليس على الفلسطينيين فقط، ولكن على العرب والأمم الأخرى في الإقليم المبتلى بالصراع.

ولعل الجولة الحالية التي يقوم بها مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي في دول المنطقة تؤكد أن اليمين المسيحي الصهيوني الحاكم في أمريكا مصرّ على فرض الحل الظالم في السنة الثانية لولاية ترامب في البيت الأبيض.

وكان طبيعياً أن تتزامن هذه الجولة التي كانت مؤجلة وشملت مصر والأردن، مع تسريبات كشفت الخطوط العريضة للمشروع الأمريكي المسمى "صفقة القرن"، كما كان منطقياً أن تنتهي بإسرائيل لكي يؤكد بنس، وهو مهندس الصفقة، ولاءه وولاء إدارته لإسرائيل وتمسكه وتمسك البيت الأبيض بحمايتها والدفاع عن تجاوزاتها مهما بلغت من وقاحة وتحد للإرادة الدولية.

في عمان سمع بنس ما لم يرد سماعه، وخرج من الأردن خالي الوفاض، وخاب رهانه على إقناع الملك عبد الله الثاني بقبول أي تغيير في وضع القدس، وقد عبر عن فشله في الأردن حين صرح لدى وصوله إلى إسرائيل "اتفقت مع الملك عبد الله على الا نتفق"، وكان يعني تحديداً تناقض الرؤيتين الأردنية والأمريكية إزاء القدس.

كان واضحاً منذ البداية أن بنس وزملاءه في الإدارة الأمريكية لم يتوقعوا أن يكون الموقف الأردني على هذا النحو من الصلابة، وقد فوجئ نائب الرئيس الأمريكي بالموقف الأردني الذي تعمد الوضوح في رفض المساس بالقدس، والتصدي للإعلان الرئاسي الأمريكي بشأن المدينة المقدسة، رغم الظروف البالغة الصعوبة التي تمر بها المملكة التي تواجه مشكلات اقتصادية صعبة يمكن تخفيفها بالمنح والمساعدات الأمريكية. وتيقن بنس أن القدس ليست معروضة للبيع في عمان.

المحطة الأكثر أهمية في جولة بنس هي إسرائيل التي يبدو أن نائب الرئيس الأمريكي ينتمي إليها أكثر مما ينتمي لبلاده، ويبدو أن بنس ليس إسرائيلي الهوى فقط، لكنه أيضاً حليف قوي لليمين المتطرف الحاكم في تل أبيب، وربما كان هذا التموضع هو الذي دفع نائب رئيس أمريكا إلى رفض لقاء بروتوكولي مع زعيم المعارضة الإسرائيلية.

لكن، على أهميتها، فإن زيارة بنس لإسرائيل لا تعني أي جديد لأن الإدارة الأمريكية الحالية وحكومة إسرائيل تنتهجان ذات السياسة الموغلة في صهيونيتها وتطرفها على حساب الفلسطينيين والعرب. وليست زيارة بنس إلى ما يسمى حائط المبكى إلا تأكيداً لهذا التطابق في الرؤية المعادية لكل العرب.

المهم يكمن في الموقف الشعبي، وفي رفض الشوارع العربية وبعض حكوماتها للمشروع الأمريكي، وهو مشروع محكوم بالفشل، ليس لأن الولايات المتحدة عاجزة سياسياً، ولكن لأن تاريخ الصراع والتسوية في فلسطين، منذ اتفاق أوسلو المشؤوم، يؤكد القدرة على هزيمة أي مشروع تسووي مرفوض، سواء بانتفاضة شعبية أو بعمليات نوعية ترفع كلفة حماية الوجود الاحتلالي وتحول دون استقراره على الأرض.

سيعود بنس إلى واشنطن دون تحقيق نتائج، فلا تسوية أمريكية مقبولة فلسطينياً، ولا حل للصراع من دون الفلسطينيين، ولا قدرة على فرض حل أمريكي أحادي متطابق مع الرؤية الإسرائيلية، وسيمكث ورئيسه في البيت الأبيض حتى نهاية فترة الرئاسة، إذا استطاعا اكمالها، ولن يتحقق شيء قبل خروجهما من الحكم.

أمام الفلسطينيين إذن الكثير من الصبر والانتظار حتى خلاصهم من الفريق الأرعن الذي يقود أمريكا، وعليهم في زمن الصبر أن يبحثوا عن منافذ للهواء السياسي النقي في أوروبا وروسيا وغيرهما.

في بيتنا الآن زائر ثقيل الظل اسمه بنس، وسنكسر الكثير من الفخار في وداعه.