جنود أمريكيون في العراق.(أرشيف)
جنود أمريكيون في العراق.(أرشيف)
الثلاثاء 22 مايو 2018 / 14:47

الانتخابات دليل جديد... واشنطن لا تزال تجهل العراق

رأى الكاتب تيد غالين كاربنتر أن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق تؤكد أن القادة الأمريكيين كما وسائل الإعلام الأمريكية لا يزالون يجهلون الديناميات السياسية المعقدة في العراق. فقد توقع الخبراء والمحللون فوز حزب رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي تدعمه الولايات المتحدة، ولكن من حل أولاً هو التكتل الذي تزعمه رجل الدين الشيعي المتشدد مقتدى الصدر.

لم تتجسد الانتكاسة الكبرى لسياسة الولايات المتحدة في نتائج الانتخابات الأخيرة في العراق وحدها، ولكن ما حدث في كردستان العراق كان أيضاً مثيراً للقلق

ويوضح كاربنتر، في مقال بمجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية، أن الصدر عدو قديم للولايات المتحدة؛ إذ يعارض أجندة سياسة واشنطن في الشرق الأوسط، وخاصة وجود القوات العسكرية الأمريكية في العراق. وفي أعقاب الغزو الأمريكي للعراق للإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين، اندلعت اشتبكات عديدة بين أتباعه المسلحين والقوات الأمريكية.

صعود مثير للقلق
ويلفت كاربنتر إلى أن الصعود السياسي للصدر يثير قلق المسؤولين في إدارة ترامب، ولكن الميزة الوحيدة من وجهة نظرهم أن الصدر يعارض النفوذ الإيراني في بلاده بقدر معارضته للنفوذ الأمريكي. ويعكس موقف الصدر أن التضامن الشيعي لا يزال محدوداً، فعلى الرغم من الهوية الدينية المشتركة فإن التوتر التاريخي بين العرب والفرس يبرز من وقت إلى آخر.

أما الجانب الأكثر إثارة للقلق في نتائج الانتخابات، برأي واشنطن، فيتمثل في حصول ائتلاف فتح على المركز الثاني في نتائج الانتخابات. فخلافاً للصدر، تعتبر هذه الكتلة الشيعية (ائتلاف فتح) موالية لإيران التي مولتها بسخاء وزودتها بالأجهزة العسكرية، فضلاً عن مدها إياها بالمتطوعين في بعض الأحيان. وبناء عليه، يبدو أن أقوى فصيلين سياسيين في العراق مناهضان للولايات المتحدة بشدة وأحدهما مؤيد لإيران، الأمر الذي يُعد أسوأ نتيجة للأهداف السياسية لواشنطن.

حسابات خاطئة
ويعتبر الكاتب أن حصول حزب العبادي على المركز الثالث في الانتخابات قد أصاب المراقبين الغربيين بالدهشة،. ويُعد أداء العبادي المخيب للآمال مجرد حلقة أخرى في سجل واشنطن الطويل لاختيار العملاء العراقيين الذين يفتقرون إلى التأييد الشعبي القوي. وعلى سبيل المثال افترضت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش وحلفاؤها من المحافظين الجدد أن أحمد الجلبي، رئيس المؤتمر الوطني العراقي، سيكون القائد الجديد للعراق بمجرد الإطاحة بصدام حسين، وقدمت الولايات المتحدة ملايين الدولارات إلى المؤتمر الوطني العراقي في السنوات التي سبقت غزو العراق عام 2003، ولكن لم يحصل حزب الجلبي إلا على 0,5 % فقط من الأصوات في الانتخابات البرلمانية.

ويضيف كاتب المقال أن العميل الثاني الذي اختارته واشنطن كان نوري المالكي، ولكن فترة ولايته تميزت بتهميش فاضح للأقلية السنية في العراق التي كانت القاعدة السياسية للحزب البعثي الحاكم في عهد صدام حسين. وقد أسفر نهج المالكي الانتقامي ضد السنة إلى جانب الفساد الأسطوري لإدارته، عن تمهيد الطريق لصعود داعش وتحقيق الفصائل المتطرفة فوزاً مذهلاً في الحرب الأهلية العراقية.

انتكاسة كبرى
وبحسب الكاتب، لم تتجسد الانتكاسة الكبرى لسياسة الولايات المتحدة في نتائج الانتخابات الأخيرة في العراق وحدها، ولكن ما حدث في كردستان العراق كان أيضاً مثيراً للقلق؛ إذ كانت الحكومة الإقليمية الكردية حليفاً قويا للولايات المتحدة في الحرب ضد داعش إلى جانب القوات الكردية عبر الحدود في سوريا. واعتبر بعض الخبراء السياسيين أن الأكراد من أكثر الحلفاء الأمريكيين الموثوق فيهم في الشرق الأوسط، ولذلك حضوا على تعزيز العلاقات مع حكومة إقليم كردستان حتى وإن كان هذا الأمر يزعج الحكومة المركزية في بغداد.

بيد أن قرار رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود البارزاني إجراء استفتاء حول الاستقلال الكامل عن العراق في عام 2017 قد أدى إلى تقويض التحالف مع واشنطن، كما أثارت هذه الخطوة غضب كل الدول المجاورة تقريباً، وبخاصة تركيا، فضلاً عن حكومة بغداد. ونتيجة لذلك سحب القادة الأمريكيون دعمهم لحكومة إقليم كردستان، وأطلق الجيش الوطني العراقي حملة قمعية كبرى، وفقد القادة الأكراد سيطرتهم على مدينة كركوك الغنية بالنفط والكثير من وضعية الحكم الذاتي التي حصل عليها إقليم كردستان في السنوات التي أعقبت الإطاحة بصدام حسين.

سياسة كارثية
وينوه الكاتب أن واشنطن تواجه الآن رفض الناخبين العراقيين للعميل السياسي الرئيسي الذي تدعمه على المستوى الوطني (حيدر العبادي)، كما أن التعاون الذي كان واعداً في السابق مع كردستان المستقرة الموالية للولايات المتحدة بات في حالة يرثى لها. وعلى الرغم من هذه البيئة المتدهورة، فإن إدارة ترامب تميل على ما يبدو إلى الاحتفاظ بالوجود العسكري الأمريكي في العراق إلى أجل غير مسمى، وهي سياسة تفتقر إلى المنطقية وغير قابلة للتنفيذ من وجهة نظر الكاتب؛ بسبب الافتراضات الخاطئة التي يضعها صانعو السياسة الأمريكية بشأن العراق منذ ما يقرب من عقدين.

ويختتم الكاتب أن الاعتقاد الأساسي الذي تبنته إدارة بوش، ومن بعدها إدارتا أوباما وترامب، بأن العراق سيكون معقلاً مستقراً وموحداً وديمقراطياً ومواليا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، قد ثبت فعلاً أنه اعتقاد وهمي على مستويات عدد، وحان الوقت للاعتراف بمحدودية نفوذ الولايات المتحدة وإعادة تقييم هذه السياسة الكارثية، وربما تحتاج إدارة ترامب إلى وضع إستراتيجية للخروج سريعاً من المستنقع العراقي.