أعلام دول مشاركة في كأس العالم في أحد شوارع بيروت (أرشيف)
أعلام دول مشاركة في كأس العالم في أحد شوارع بيروت (أرشيف)
الخميس 28 يونيو 2018 / 18:52

نحن والمونديال

هل كنا نتخيل أننا لعبنا الكرة بين الحارات في طفولتنا، كرة شراب مصنوعة من خرق حشي بها جارب؟ هل كانت هذه اللعبة شريكة طفولتنا؟ نسأل هل كانت هذه طفولة متخيلة اخترعناها على غرار طفولات الآخرين في بلدان أمريكا اللاتينية؟ وإلا فلماذا لم يكن لنا مستقبل في اللعبة الأكثر شعبية في العالم؟ المونديال يشغلنا، تخلو الشوارع في أوقاته ويحتشد الناس في البيوت والمقاهي أمام الشاشات.

العالم يختارنا لحروبه الصغيرة أو نحن نجتذبه إلى هذه الحروب أو نشركه فيها ولا نسأل عن الثمن

هؤلاء ليسوا جمهوراً للمتعة وحدها، إن لهم انحيازاتهم. في البدء كانوا جمهوراً برازيلياً أو مكسيكياً. كنا أقرب الى هذه البلدان ونرى فيها مثالنا ونحب فيها أنفسنا، لكنّ الأمور تغيرت ببطء. صرنا لا نستحي من التوجه صوب أوروبا، صار للألمان، والإيطاليين، والفرنسيين أحزاب وجمهور.

يحتفل الحزب بانتصارات فريقه وينغم لهزيمته، وإذا انتصر سارت مواكب السيارات حاملة علمه مخترقه هكذا المدينة. نسأل أنفسنا: ماذا يفعلون عندئذ في الريف، أم أن ما يحدث في المدن على هذا الصعيد جزء من تأسيسها ومن صياغة مزاج مديني؟.

الذين ينشغلون بالمونديال ويتفرقون شيعاً إزاءه ليسوا بالضرورة أبناء الطبقات الدنيا. إنهم في الغالب أبناء الطبقات الوسطى عماد المدن التي تتأسس عليها. لكن هؤلاء لهم عصبياتهم الأخرى، عصبيات لطوائفهم وعشائرهم، وهم أشداء في عصبياتهم هذه.

ضيقون فيها وملتفون عليها وحولها. ماذا يكون الأمر إذا لم يجدوا فريقاً من جلدتهم ومن عصبهم لينحازوا له؟ بل ونتساءل إذا كانت هذه حقاً غايتهم وإذا كانوا حقاً يسعون إلى فريق من بينهم أم إن هذا الأمر فرصتهم ليهربوا من أنفسهم ومن ضيق حلقاتهم وشدة انغلاقهم عليها؟ إن في انحيازهم إلى فريق ليس له لغتهم ولا سحنهم إنما يفسح لهم ليخرجوا من هذه وتلك، وليتنفسوا في هذا الخارج هواء حراً من العالم كله، وليمارسوا إنسانية بل وأممية لا تتسنيان لهم في معارك الداخل.

أليس أمراً مثيراً وحميداً أن نجد الناس في لبنان يلوحون بالعلم الألماني أو العلم البرازيلي وأن نجد هذه الأعلام طوال أيام المونديال مرفوعة على الشرفات ومنصوبة فوق الأسطح. لعل هذه من ضيق العصبية المحلية وخروج منها إلى ما يشبه أن يكون سماحة إنسانية وكونية.

يتسلل كل مونديال فريق أو أكثر إلى مباريات المونديال فريق عربي. هذا العام تسللت أربع فرق لكننا لا نشاهد احتفالاً بذلك ولا انحيازاً. أعلام مصر، والمغرب، وتونس، والسعودية ليست مرفوعةً ولا منصوبةً.

لا ترفعها مواكب السيارات ولا تنصب فوق الشرفات. لا ينم هذا عن سماحة ورحابة. لكن الفرق العربية لا تفسح لانحيازات حامية ولا توفر الفرصة لاحتفالات عارمة. إنها تخسر واحدةً تلو أخرى، وأحياناً تكون الخسارة أوجع حين تكون أمام فريق لا صيت له في اللعبة، فريق من المنطقة وعلى حدودها كما حدث حين انتصرت ايران على المغرب.

أكثر ما نطمح له حتى الآن، هو إلتسلل الى ألعاب المونديال وإن يكن ثمن ذلك باهظاً علينا ومكلفاً لنا. إذ يجعل فرقنا خاسرة وتنام على خسارتها بينما الآخرون ينعمون بالربح. حالنا في ذلك هو حالنا في السياسة.

فحيث تنسب معارك في بلادنا، لسوريا على سبيل المثل، تبقى الأمور متروكة للآخرين أكثر مما هي في أيدينا. يدخل الآخرون الأمريكيون والغرب والأتراك والروس والايرانيون في حربنا، ويغدون هم لا غيرهم ميزان حرب وعمودها. ويصبح الحل والربط في أيديهم، وينتصرون لأنفسهم ولنا في آن.

 حرب عالمية نستدرج نحن المزيد إليها. ونترك البلاد متاحةً للآخرين ومباحةً لهم، بينما نحن نبقى في الظل ونربح ما حصلوه هم لنا. أما السيادة والحدود والهيمنة فهي في مكان آخر. اللعبة على أرضنا، لكنها لعبة العالم وليست لنا، وإن حملت عنواننا.

العالم يختارنا لحروبه الصغيرة أو نحن نجتذبه إلى هذه الحروب أو نشركه فيها ولا نسأل عن الثمن.

هذه الحال تتكرر برضانا وربما برغبتنا في المونديال، فنحن الذين لعبنا كرة شراب في الحارات كما تنبئنا طفولاتنا، وتربينا على اللعبة كما نظن، لا نستطيع أن نخسر فيها كما هي حالنا في اي لعبة عالمية.

نلعب باسم غيرنا ويلعب غيرنا باسمنا، لكننا لا نبالي إذا حقق غيرنا انتصارات على أرضنا. لا نُبالي إذا كان هذا الانتصار علينا وعلى شعبنا أو بعضه على الأقل.