القيادي الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي (وكالات)
القيادي الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي (وكالات)
الخميس 15 فبراير 2024 / 11:44

مروان البرغوثي.. قائد مُلهم تحاصره المؤبدات

يحلم القيادي الفلسطيني المغيّب في السجون الإسرائيلية مروان البرغوثي، بأشياء كثيرة، ذات رمزيات ودلائل كبيرة، برؤية النور أولاً، وبانكسار القيد عن يديه ثانياً، وثالثاً والأهم بتتويج نضالات شعبه الطويلة بانتصار حقيقي ينال به لقب "مانديلا فلسطين" بجدارة واستحقاق.

وربما لأن أحلام البرغوثي تقض مضجع سجانه، ينتهي به المطاف دائماً كلما برز اسمه بين المدعوّين للقاء الحرية إلى زنزانة جديدة، ينفرد فيها بنفسه، وينزوي عن العالم، في غياب جديد، يستعيد فيه أحلامه ويعيد ترتيبها بما يليق مع الحرية وطموحات النضال. 

ولأن خصمه الوزير المتطرف إيتمار بن غفير، يخاف من اسمه، وانعكاسه الثائر في نفوس كل الفلسطينيين، أكثر من أي شيء آخر، فلا ينفك يدبّر له المكائد، حتى ينسى البرغوثي أحلامه وشعبه، وينسون هم اسمه ورمزيته. 

وآخر فخ نصبه بن غفير، سجّان القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي، كان بالأمس، حين انتزع قراراً جديداً، يقضي بنقله من سجن عوفر للعزل الانفرادي في معتقل آخر من ضمن معتقلات إسرائيل الكثيرة، خوفاً من اضطرابات مقلقة، بات يسمع حسيسها في أروقة دوائر الأمن والاستخبارات الإسرائيلية. 

ولأن البرغوثي، قائد وحالم، فإن توقه للحرية رغم المؤبدات الكثيرة التي تطوق يديه وتكبل قدميه، يطرق أبواب كل سجن بقوة، وينادي من خلف الأسوار العالية والجدران المصفحة، "كان مانديلا جنوب أفريقيا مثلي في سجن حقير ينضح بالعنصرية، وخرج بنصر كبير". 

من يكون؟ 

والخوض في تفاصيل حياة المناضل البرغوثي يكشف حقائق مثيرة عن اسمه وأهميته، ودوره الكبير في القدرة على لم شمل الفلسطينيين والتصديق به كقائد وحدوي يجمع أطياف الوطن المختلفة في راية واحدة تعكس تطلعاتهم، فهو ولد في عام 1959، في كوبر، القرية الصغيرة الوادعة، الواقعة في محافظة رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة، تعلم فيها منذ صغره معنى الحرية، وهو يرى الأسوار العالية، التي تطوق قريته وأحلامها، وبرز اسم البرغوثي في الانتفاضة الأولى عام 1987، وفي الانتفاضة الثانية عام 2000، تُوج قائداً في حركة فتح وعضواً في لجنتها المركزية، وصار اسمه لامعاً، وبدأت إسرائيل بمطاردته أينما حل، فاعتقل وأبعد أكثر من مرة، كما تعرض لعدد من محاولات الاغتيال الإسرائيلية الفاشلة، إلى أن أُسر في عام 2001، ونال حكماً من محكمة إسرائيلية بالسجن المؤبد 5 مرات، و40 عاماً بتهم الضلوع المباشر في قتل 5 إسرائيليين، إضافة إلى التخطيط لارتكاب أعمال قتل أخرى بصفته رئيساً لما يعرف بـ"التنظيم"، وهو جناح مسلح تابع لحركة فتح أثناء الانتفاضة الثانية.

قارئ ومتعلم 

وبعد أن اشتد القيد على يديه وأوغل فيهما، سلك البرغوثي طريقاً جديداً في جدران السجن الضيقة، يجرب فيه الوقوف مرة أخرى تحت الأسقف المعتمة، من خلال العلم والقراءة والتحدي والصمود، استطاع من محبسه أن يتعلم العبرية، وأضاف إلى قاموسه الواسع، لغتين، الفرنسية والإنجليزية إضافة إلى العربية، وحصل على شهادة الدكتوراه في اختصاص العلاقات الدولية من معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة، التابع لجامعة الدول العربية، في عام 2010، ويبلغ من العمر الآن 65 عاماً. 

 لم ينَل مكوثه الطويل في السجن، من اسمه السياسي، فهو أشهر الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية على الإطلاق، والشخصية الوحيدة المؤهلة، وفقاً للمراقبين، لقيادة السلطة الفلسطينية بعد محمود عباس.

ولقّبه البعض بـ"مانديلا فلسطين" في إشارة إلى التشابه في المسيرة النضالية مع القائد الجنوبي أفريقي نلسون مانديلا.

وعلى مدى السنوات الماضية، ظلت استطلاعات الرأي تعطي البرغوثي شعبية كبيرة إذا حدث وقرر الترشح لانتخابات الرئاسة الفلسطينية، وكان يتقدم على الرئيس الحالي محمود عباس، وعلى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.

وأظهر أحدث استطلاع للرأي، والذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، أجري في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قدرة البرغوثي على الفوز بالانتخابات الرئاسية لو أجريت يوم الاستطلاع، حيث حصل على نسبة 47%.

"تغيير جوهري"

ويتوقع أن يشكّل إطلاق سراح البرغوثي، "بداية تغيير جوهري" في النظام السياسي الفلسطيني، فوجوده على رأس منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة فرصة لحركة "حماس" للانضمام إلى هذه المنظمة.

وينتظر البرغوثي أي فرصة لعقد انتخابات مستقبلية في الأراضي الفلسطينية، وأبدى تأكيده الترشح لها، ويؤكد مقربون منه أنه لن يتردد لحظة واحدة في ترشيح نفسه، ولن يتنازل عن هذا الحق، أو التراجع كما حدث في عام 2005، حينما انسحب من منافسة محمود عباس، تحت الضغوط التي تركزت على ضرورة إبقاء حركة فتح موحدة وحملت كذلك وعوداً له بالإفراج عنه.

ونزعة البرغوثي القيادية واضحة ومؤكدة، منذ ذهب إلى تحدي قيادة فتح الحالية في آخر سباق انتخابي على مقاعد المجلس التشريعي عام 2021، وعلى الرغم من أن الانتخابات لم تجرِ، قاد البرغوثي قائمة موازية للقائمة الرسمية لحركة فتح، بالشراكة مع القيادي المفصول من الحركة ناصر القدوة، وهو ابن شقيقة زعيم الحركة التاريخي ياسر عرفات.وحصل البرغوثي في المؤتمر السابع للحركة الذي عقد في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2016 على أعلى الأصوات، بعدما حصل على 930 صوتاً من أصل نحو 1100 صوت، في استفتاء على الحضور الذي يحظى به داخل الحركة.

وسبق أن رشح قادة في حركة فتح البرغوثي ليصبح نائباً لرئيس السلطة الفلسطينية وزعيم حركة فتح محمود عباس  حتى وهو داخل سجنه، لكن عباس عين محمود العالول نائباً له في قيادة الحركة.
 ومن خارج أسوار السجن، تشاركه عقيلته فدوى البرغوثي نضاله في سبيل الحرية، فهي تعمل مع جهات عربية ودولية لدعم زوجها خليفة محتملاً للرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وتقرن فدوى البرغوثي حملاتها الوطنية لإطلاق سراح زوجها بزيارات دبلوماسية تلتقي فيها باستمرار مع مسؤولين كبار في الدول العربية ودبلوماسيين من الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا، لدعمها في مسيرتها النضالية من أجل إطلاق سراح زوجها مروان من السجون الإسرائيلية. 

وحدة وطنية 

وفي ظل المفاوضات المستمرة بين حركة حماس ومصر وقطر وإسرائيل لوقف الحرب على غزة والتوصل لاتفاق تبادل أسرى، برز اسم البرغوثي بين الأسماء المرشحة للخروج، إضافة إلى القياديين أحمد سعدات وعبدالله البرغوثي، لكن إسرائيل تبدي رفضاً مطلقاً لهذه المقترحات. 

ويقول محللون إن رفض إسرائيل خروج البرغوثي، يأتي "بسبب خطر استئناف نهج فتح التحرري القديم، خصوصاً أن النهج الذي اختطه مروان البرغوثي رفضَ التناحر مع حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية، وسعى، ويسعى، إلى وحدة وطنية على أساس رؤية تحررية، فهو صاحب شعار "الوحدة الوطنية قانون الانتصار، وأن شركاء الدم هم شركاء في القرار، والشركاء في الميدان شركاء في البرلمان".