عناصر من الدفاع المدني الروسي وسط الأنقاض بعد هجوم داعش على قاعة الحفلات في موسكو (أرشيف)
عناصر من الدفاع المدني الروسي وسط الأنقاض بعد هجوم داعش على قاعة الحفلات في موسكو (أرشيف)
الأربعاء 27 مارس 2024 / 10:52

عودة طالبان.. هل أصبحت أفغانستان ملاذاً للإرهابيين مرة أخرى؟

بعد أقل من عام من استعادة حركة طالبان السلطة في أفغانستان في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة الفوضوي في 2021، تعهد الرئيس جو بايدن بأن الدولة التي كانت تؤوي أسامة بن لادن ذات يوم "لن تفعل ذلك مرة أخرى.. أبداً".

لكن يبدو أن الرئيس بايدن لم يفِ بوعده، وفق ما طرح بنجامين باركين وسام جونز في تقرير مشترك في"فايننشال تايمز".

ووفق التقرير، فإن تصاعد التهديدات الإرهابية الدولية المرتبطة بأفغانستان يثير قلق الحكومات من أن الدولة التي كانت ذات يوم تؤوي العقول المدبرة لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، أصبحت مرة أخرى بؤرة ساخنة للجماعات الجهادية ذات الطموحات العالمية.

ألقى مسؤولون غربيون باللوم على تنظيم داعش-ولاية خراسان، الفرع الأفغاني للجماعة المتطرفة في الشرق الأوسط والعدو اللدود لطالبان، في هجوم الأسبوع الماضي على قاعة حفلات موسيقية في موسكو، الذي أدى إلى 137 قتيلاً على الأقل.

وشنت حركة طالبان حملة دموية لمكافحة ضد تنظيم داعش منذ وصولها إلى السلطة، لكن المحللين قالوا إن الجماعة اكتسبت قوة كبيرة بعد الانسحاب الأمريكي، وكثفت نشاطها الدولي أخيراً.

داعش خراسان

ارتبط تنظيم داعش خراسان بتفجيرات في إيران في يناير(كانون الثاني) التي أدت إلى مقتل ما يقرب من 100 شخص، وهجوم على كنيسة في تركيا في الشهر نفسه، ومؤامرة أحبطت في  الأسبوع الماضي لمهاجمة البرلمان السويدي قالت السلطات إنها ربما كانت موجهة من أفغانستان.

وقتلت حركة طالبان الباكستانية، الحليف الأيديولوجي لحكام كابول والتي لها وجود كبير في البلاد، مئات في هجمات متواصلة عبر الحدود من مخابئها في أفغانستان منذ  2021.

ويعتقد المحللون أن جماعات إسلامية أخرى مثل تنظيم القاعدة، والحزب التركستاني الإسلامي موجودة أيضاً داخل أفغانستان.

دفع القلق من التهديد المتزايد للعنف المتطرف المرتبط بأفغانستان الجنرال مايكل كوريلا، رئيس القيادة المركزية الأمريكية، إلى التحذير قبل وقت قصير من هجمات الأسبوع الماضي في موسكو من "خطر الهجوم المنطلق من أفغانستان يتزايد"، واستهداف تنظيم داعش على وجه الخصوص.

وقال كوريلا للكونغرس: "يحتفظ تنظيم داعش خراسان بالقدرة والإرادة لمهاجمة المصالح الأمريكية والغربية في الخارج في أقل من ستة أشهر دون سابق إنذار".

خطر متزايد

وحسب الصحيفة، أصبح المسؤولون الأوروبيون يدركون بشكل متزايد هذا التهديد. وقالت نانسي فيزر، وزيرة الداخلية الألمانية، التي أحبطت العديد من المؤامرات لداعش على مدار الأشهر الـ 18 الماضية: "يعد تنظيم داعش خراسان حالياً أكبر تهديد إرهابي إسلامي في ألمانيا".

وقالت لصحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" يوم الإثنين: "الخطر الذي يشكله الإرهاب الإسلامي لا يزال حاداً".

وسعى الرئيس فلاديمير بوتين، إلى توريط أوكرانيا في هجوم الأسبوع الماضي، لكن محكمة في موسكو قالت إن جميع المشتبه بهم الرئيسين الأربعة، من طاجيكستان،  المجموعة التي تشكل عنصراً مهماً في عضوية داعش-خراسان.

وحذرت الولايات المتحدة من تهديد لروسيا من المتطرفين، وقيل إنها أبلغت موسكو بأن التهديد من الجماعة المتمركزة في أفغانستان.

ورغم أن لا دليل حتى الآن يربط بشكل مباشر بين المتآمرين وأفغانستان، إلا أن المحللين يقولون إن هذا هو أحدث مؤشر على أن الجماعات الجهادية الإقليمية، أصبحت أكثر قوة بعد استيلاء طالبان على السلطة.

وقال كبير تانيغا، زميل مؤسسة أوبزرفر للأبحاث في نيودلهي: "عندما غادر الأمريكيون في 2021، لم يكن هناك إجماع إقليمي على الأمن في أفغانستان، ونتيجة لذلك، فإن كل هذه الجماعات الإرهابية لديها مساحة كبيرة للمناورة".

وأدانت حركة طالبان، التي قالت مراراً إنها لا تسمح للمتطرفين باستخدام البلاد قاعدة لمؤامرات إرهابية، هجوم موسكو "بأشد العبارات".

وسعت حركة طالبان إلى تضييق الخناق على تنظيم داعش، لكنها تبدو أكثر تسامحاً مع الجماعات المسلحة الأخرى.

 القاعدة

وفي 2022، تعقبت الولايات المتحدة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وقتلته وسط مدينة كابول، ما أثار الشكوك الغربية في إيوائه من حركة طالبان.

وفي هذه المرحلة، قال بايدن إنه لن يُسمح لأفغانستان بأن تصبح ملاذاً للإرهابيين، رغم الغياب  العسكري الأمريكي على الأرض.

ومع ذلك فإن العنف في باكستان من جماعات مثل حركة طالبان الباكستانية، قد انطلق أيضاً. وقُتل أكثر من 1500 شخص في هجمات إرهابية في باكستان في 2023، ما يعادل 3 أضعاف العدد قبل سيطرة طالبان على السلطة في أفغانستان، وفق بوابة جنوب آسيا لمكافحة الإرهاب.

وشنت باكستان، التي تتهم حركة طالبان الأفغانية بدعم المسلحين عبر الحدود، ضربات جوية انتقامية في أفغانستان في الأسبوع الماضي.

ويتساءل المحللون إذا كانت لطالبان القدرة على القضاء على الإرهاب حتى لو أرادت ذلك.

وقالت أميرة غادون، الأستاذة المساعدة في جامعة كليمسون في كارولاينا الجنوبية: "لم تتمكن الولايات المتحدة حقاً من كبح حركة طالبان والمتمردين، بكل أسلحتهم وشركائهم في التحالف".

وأضافت "من الصعب أن نرى كيف يمكن لطالبان تأمين البلاد والتأكد من منع المسلحين من العمل".

داعش خراسان

بدأ تنظيم داعش خراسان العمل في أفغانستان وباكستان في 2015، واجتذب آلاف المقاتلين الذين اعتقدوا أن طالبان لم تكن متشددة بما فيه الكفاية. وتريد الجماعة إقامة خلافة في خراسان، وهي منطقة تمتد عبر أجزاء من شبه القارة الهندية، وآسيا الوسطى.

وكانت الحركة مسؤولة عن عشرات الهجمات التي أعقبت سقوط كابول، بما في ذلك تفجير انتحاري في مطار المدينة في  2021 أدى إلى 175 قتيلاً، بينهم 13 جندياً أمريكياً.

كما استهدفت الأقلية الشيعية في أفغانستان ومسؤولين في طالبان، وفي 2022، استهدفت سفارة روسيا في كابول.

وأعلنت الولايات المتحدة في 2022 مكافأة بـ10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى زعيم تنظيم داعش خراسان سناء الله غفاري، بسبب الهجوم على مطار كابول.

ويعتقد أن الشاب، 29 عاماً، والمعروف أيضاً باسم شهاب المهاجر، يختبئ في المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان. وقال جيروم دريفون، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، إنه بينما نجحت حملة طالبان في الحد من الهجمات المحلية، فإن ذلك جعل داعش أكثر اعتماداً على الشبكات الدولية والداعمين "لتنسيق أعمالها". وقد شمل ذلك العمليات في أوروبا إما الموجهة أو المستوحاة من داعش - خراسان.

وقال توماس هالدينوانغ، رئيس جهاز المخابرات الداخلية الألمانية، في العام الماضي، إن داعش خراسان كان "اسماً  على الناس تذكره". وأكمل "تحاول المجموعة صنع اسم لنفسها بالهجمات، في المستقبل، سيحاولون التخطيط لتنفيذها ضد الدول الغربية".

ومضت السلطات الألمانية والنمساوية في إحباط هجمات محتملة شنها إرهابيون مرتبطون بتنظيم داعش على مواقع مسيحية خلال فترة عيد الميلاد. وقالت الشرطة إن 3 طاجيك اعتقلوا في فيينا عشية عيد الميلاد بسبب مؤامرة محتملة لمهاجمة كاتدرائية القديس ستيفن، وقبض على 4 في ألمانيا بسبب خطط لذبح المصلين في كاتدرائية كولونيا ليلة رأس السنة الجديدة.

وبعد أن قبضت الشرطة الألمانية على شخصين في الأسبوع الماضي قالت إنهما خططا لهجوم على البرلمان السويدي، قال مسؤول بوزارة الداخلية إن المركز الحكومي المشترك لمكافحة الإرهاب يعتبر الآن تنظيم داعش-خراسان هو "الأكثر عدوانية" من بين جميع الجماعات الموالية لداعش.

وبعد الهجوم في موسكو، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن داعش خطط أيضاً "لعدة محاولات" لمهاجمة فرنسا في الأشهر الأخيرة.

وقال كولين كلارك، مدير الأبحاث في مركز سوفان، وهو مركز استشارات استخباراتية وأمنية مقره نيويورك، إن داعش "يطرق باب أوروبا"، مشيراً إلى أولمبياد باريس 2024 حدث مثير للقلق بشكل خاص.

وقال إسفنديار مير، الخبير البارز في معهد الولايات المتحدة للسلام إن "التهديدات ومؤامرات العنف القادمة من أفغانستان ليست مستمرة فحسب، بل تتزايد في بعض النواحي". وتابع "الاتجاه الأكثر إثارة للقلق هو تخطيط داعش في الخارج".