الجمعة 12 سبتمبر 2014 / 17:44

كيف تدعش "داعش"؟



تساءل مراقبون ومحللون كثر، في العالم عموماً، وفي الولايات المتحدة بصفة خاصة، عن السبب في أنّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما يصرّ على تسمية "داعش" وفق مختصرات ISIL، التي تفيد "دولة الإسلام في العراق والمشرق"؛ بدل المختصرات الأخرى، ISIS، التي تضمّ سوريا إلى العراق، رغم أنها الأكثر شيوعاً واستخداماً، ولعلها الأدقّ دلالياً أيضاً.

بعض الخبثاء رأوا أنّ المختصرات الأولى تجنّب أوباما حرج إدراج الساحة السوريا ضمن استراتيجية البيت الأبيض في توجيه ضربات جوية تستهدف "الحطّ" من قدرات "داعش" في العراق، قبل الإجهاز عليها وتدميرها؛ خاصة وأنّ الرئيس الأمريكي تحاشى، طيلة ثلاث سنوات، وما يزال في الواقع، استخدام أيّ شكل من الأعمال الحربية المباشرة ضدّ نظام بشار الأسد. ولكن حتام سيطول هذا التحاشي، يتابع الخبثاء، الآن وقد أقرّ أوباما بأنّ التحالف الدولي الذي ستقوده أمريكا سوف ينال من "داعش" أينما تواجدت، بما في ذلك سوريا بالطبع، وربما أوّلاً، وفق ما يقول المنطق العسكري البسيط.

من جانبي، أرى أنّ إصرار أوباما على المختصرات غير الشائعة، وإنْ لم يخلُ تماماً من تلك الحيثية السوريا، يتماشى في الواقع مع قراءة ملموسة حول "داعش"، استجدت لدى مستشاري البيت الأبيض، وخاصة طاقم الأمن القومي؛ مفادها التالي، باختصار شديد: ليس ثمة "دولة" إسلامية، لا في العراق ولا في سوريا؛ والخطر الإرهابي الذي تمثّله هذه المنظمة مرشّح للانتشار في "المشرق" بأسره، أي في لبنان والأردن وفلسطين وإسرائيل، فضلاً عن سوريا والعراق؛ وليس مستبعداً أن ينتشر إلى نطاقات أبعد...

فإذا جاز هذا التأويل (وأبرز العلائم عليه كانت تلميحات أوباما خلال لقاء مع مجموعة من خبراء السياسة الخارجية، مطلع الأسبوع الماضي، نقل موقع "بوليتيكو" بعض تفاصيله)؛ فإنّ للأمر دلالة بالغة الأهمية بصدد حكم التاريخ الإجمالي على رئاستَي أوباما. في عبارة أخرى، وما دام الرئيس الأمريكي نفسه قد وضع تدمير "داعش" ضمن سياقَيْ 11/9/2001، والأزمة المالية التي عصفت بأمريكا سنة 2008، فإنّ الاستطراد يقول: هل تأخر البيت الأبيض، إذاً، أكثر مما ينبغي، أو ما يُسمح به، للقوّة الكونية الأعظم؟ ألم يكن ذلك التأخر (والبعض يذهب إلى درجة الحديث عن وقوف أمريكا مكتوفة اليدين) في عداد الأسباب الجوهرية التي أتاحت صعود، واستفحال، "داعش"؟

وهكذا فإنّ المغزى قد لا يكمن في سؤال مثل: كيف تدعش "داعش"، إذا جاز نحت هذا الفعل، بين ISIL أو ISIS؛ بل في مسألة أوسع، وأكثر تعقيداً، غنيّ عن القول، تخصّ القعر الأدنى، وربما السقف الأعلى، الذي يمكت أن تتيحه متغيرات الكون، والشرق الأوسط تحديداً، لواحد من أعمدة الفلسفة الرئاسية عند أوباما، أي إغلاق الحروب التي أشعلها سلفه جورج بوش، والامتناع تماماً عن أيّ خيار ينتهي إلى إدخال أمريكا في حرب جديدة.

والحال أنّ الملفّ السوري تحديداً، صنع أحد أكبر المآزق التي انطوت عليها سنتَيْ أوباما، ولايته الثانية؛ كما أنه ـ ويا للمفارقة، حمّالة الأوجه والاحتمالات! ـ يظلّ الملفّ الذي يعكس تلك الصفة التي أُلصقت بشخصية الرئيس الأمريكي، وتُعدّ نادرة تماماً لدى الغالبية الساحقة من رؤساء أمريكا: أنه يسعى إلى أن تضع الحروب أوزارها، لا أن تزداد اشتعالاً، أو ينشب المزيد منها. ولكن هل صحّ المحتوى، حقاً، وعلى أرض الواقع، كما لاح الشكل صحيحاً؛ في أنّ أوباما عازف عن الحروب، كافة، وأنه قاب قوسين أو أدنى من شخصية الرئيس الأمريكي المسالم، الذي استحقّ بالفعل جائزة نوبل للسلام؟

في مثل هذه الأيام، السنة الماضية، حين هدد أوباما بتوجيه ضربات ـ وإنْ "محدودة جداً"، حسب تعبير الإدارة ـ ضدّ قوّات الأسد، بعد هجمات النظام الكيماوية ضدّ الغوطتَين الشرقية والغربية؛ كانت "داعش" موجودة على الأرض، وكانت إرهابية، وبربرية، وهمجية... ولكنها كانت أضعف، ولم تكن تحتل مساحات واسعة في العراق وسوريا، ولهذا لم ينبس أوباما ببنت شفة حول هذا الخطر، الذي تحتشد ضدّه اليوم أمم عظمى وجيوش كبرى وأحلاف أطلسية...

ولو أنها دُعشت يومذاك، وكان ذلك أيسر وأفضل، لانتفى اليوم معظم الإشكال، في سؤال هذا المقال!