الأحد 8 مارس 2015 / 09:21

هل من حمض نووي لداعش؟



تمكن علماء أخيراً من تطوير برنامج كمبيوتر يستطيع بناء رسوم ثلاثية الأبعاد شديدة الدقة لأي شخص يتوفر لهم حمضه النووي، حتى لو كان شعرة رفيعة واقعة على السجاد.

مما لا شك فيه أن أي اكتشاف ثوري كهذا لن يمنع حدوث الجرائم ولا المجرمين، لكن من الجيد أن تنكشف لنا حقيقة الملابسات ودوافع الجريمة، لأننا بذلك قد نجد طريقة لمنع الاحتمالات القادمة لحدوثها.

فلنضع تصوراتنا الآن في مسرح جريمة آخر، حيث يتحدث الشهود عن وحش اسمه "داعش" أفرزه الإسلام المتشدد، جعل شبح "القاعدة" يبدو شيئا هيناً. هناك آثار وأدلة في كل مكان، وهناك أجساد متناثرة ودماء لأشخاص لا يبدو أنهم كانوا يقاومون المجزرة.

يقف المتتبع منا موقف المحقق الجنائي الذي لا يملك شعرة يستدل بها على المجرم فحسب، بل مجموعة من الأدلة التي يمكن بحمضها النووي أن يكتشف منظومة كاملة من الإجرام باسم الدين والحق وطاعة الله. عند ذلك تظهر المشكلة الكبرى، وهي ما إذا كان المحقق يريد أن يرى المجرم، لأن الحمض النووي يقول إنه أحد إخوته!

ليس ما سبق لغزاً، والأدهى أن ندعي أننا لم نفهم شيئاً بعد، ونضع نظريات مؤامرة تلصق سبب وجود داعش بالآخر. ليس هناك مبرر لندعي البراءة مما نعرف أنه باطلنا دون أن نعني ذلك، كما أن عزتنا بالإثم وخوفنا من شماتة الأعداء يمنعاننا من أن نبرأ من جرم أخانا كي لا يشمت بنا ابن العم، فنندفع بضراوة للقول إننا لا نرى المشكلة أصلاً. 

قلها لنفسك ولكل من جعلوك متناقضاً: داعش ليس كياناً غريباً عنا، ولا جسداً لا يشاركنا طاولة الطعام نفسها. يكمن الفرق فقط في أننا نقول للناس إننا نباتيون. نأكل اللحم نفسه الذي قطعه داعش الجزار لكن سراً، أو أننا ننتظر سماع مدفع الإفطار الذي لم يدوّ بعد.

أفِقْ أيها المستميت في الدفاع عن موروثك الذي أثمر داعش وأشباهها، وقلها: إن مرجعية هؤلاء هي مرجعيتي أيضاً، هم لم يفهموا خطأ، ولكنني من قرر ألا يعمل بما اتفق عليه كلانا، بل أنني قررت أن أتعامى عن اعتباره خللاً، عزةً بالإثم لا بالضرورة جهلاً. 

ثم عد وقل لنفسك ولمن جعلوك متناقضاً: أنا لست كداعش ولا يمكن أن أكون، إذاً أنا لست فرعاً في الشجرة التي أثمرتها، ولذا وجب أن أقطع صلتي بالشجرة لا الثمرة فحسب. ولعلك تكتشف بعدها أنك لم تكن فرعاً من الشجرة أصلاً، لكن خيل إليك أنك منها، فالشجرة تمد جذورها في أرض عزيزة عليك، هي أرض الله ودينك الذي نشأت عليه وأنت متيقن أنه الحق. مما لا شك فيه أن الأرض ليست مسؤولة عن نوع الشجر الذي نبت فيها وثماره التي أسقطها، بل هي مغبة ذلك الذي نثر البذور وسقاها، وهو الكاهن الذي أجرى كلام الله على لسانه مجرى اجتهاده –إن لم يكن هواه، فجعل كثيراً منا يعتقد أن ما يقوله من عند الله.

قلها لنفسك ولمن جعلوك متناقضاً: داعش مسلمون وأنا كذلك. هم أعلنوا عودة الخلافة، وهم الآن يداعبون كل أحلام اليقظة التي راودتني طويلاً عنها. هم يطبقون الشريعة التي أقر بها وأدعم صحتها وهم يطبقون ما انقطعت إليه سبلي. إنهم يرجمون الزاني المحصن، ويقطعون يد السارق –وقدمه أحياناً- ويقتلون الملحد والكافر وتارك الصلاة، ويلزمون الكتابي بالجزية إن لم يقتلوه بزعم أنه عدو متربص أو بزعم أنهم في ساحة وغى، كما أنهم سلقوا رأس خصمي الطائفي في قدرٍ أسوة بسيرةٍ عطرةٍ أفخر بها. إن داعش ينشدون الأناشيد ولا يسمعون الأغاني ويفرضون النقاب والستر بالقوة ويحاربون الدعارة بيد من حديد، لذا أحيوا السبي والرقيق والنكاح المزيف بديلا للفجور. إنهم يقرأون القرآن نفسه، والبخاري نفسه ومسلم نفسه، وكتب "المشايخ والعلماء والسلف الصالح" أنفسهم التي تضج بها مكتبة المنزل –وقد وُجدت هذه الكتب في كل مكان تركه داعش.

لكنك أيها القارئ الواعي لست منهم. قف وقلها: كيف ونحن نعبد إله الرحمة، ودين الرحمة ورسول الرحمة للعالمين، وكيف وهذا يناقض نصوصاً في الذكر والسيرة بل ينحط أمام قيم الجاهلية، ويناقض كل الأعراف الإنسانية التي يعرفها العالم اليوم؟ كيف يمكن لشريعة الله الحقة أن يُشمأز منها، وأن يدينها العالم كله؟

قلها: أنا وداعش توأمان، والفرق أنني أعرف كيف أكذب. ثم تذكر بعد كل ذلك جيداً، أنك لم تكن لتكذب إلا أن إنسانيتك وخوفك مما تشعر بباطله منعاك من أن تفخر بما تعتقد به، وصرت خجلاً من الاعتراف به علناً. اتخذ الخطوة الثانية الشجاعة وتخلص من كل ذلك، وقل لنفسك ومن جعلوك متناقضاً: إن داعش والجماعات من أخواتها ثمر فاسد لنبت فاسد، وبراءتي من الثمر هي براءتي من الشجرة التي أثمرته. تذكر أن القطار لم يفت بعد، فما دمت تقرأ هذه الكلمات فإنك لا تزال حياً، وصحائفك لم ترفع كلها بعد!

أنا وأنت بحاجة أن ننزع عن الإسلام علاقته بالثياب التي ألبسوه إياها وهي ليست منه، ولمن ينير الطريق بعد أن أعتمها الكهنة وممتطي المقاصد الدينية. نريد من يفتح أعيننا على الشجر الذي يجب اقتلاعه من أرضنا. لا نريد أن تتكرر قصة الملك مع الخياط المحتال الذي أخرجه للناس عارياً، وإن تكررت، علينا أن نكون ذلك الطفل الذي قال للملك إنه لم يعد يلبس شيئاً، وإن الناس كذبت عليه. كما أننا لا نريد أن يسلق رأسنا في قِدر أو تقطّع فروجنا لأنها لا تزال تنبت بدعوى أنها العدالة التي نستحقها.

نريد أن يعود الدين كما كان، مدخلاً للحياة لا مخرجاً منها.