الإثنين 3 أغسطس 2015 / 15:10

في النقد الأدبي

بعد أن اختلط الحابل بالنابل، واشتد اللغط والغلط والشطط، أصح كل ثرثار ناقداً وحكيماً وعليماً بما تخفي الصدور.

صار النقد حرفة من لا حرفة له، وصناعة من يصنع المصطلحات حسب معجمه العبثي، فلا أحد يستطيع أن ينتقد النقد لأن منابر العفوية فازت على القصدية، والمنهج النقدي وقع في براثن "السوالف" في مجالس اللغو واللهو.

ومن يتابع الكم الهائل من الثرثرة يجد أن هناك أعشاباً شوكية دخلت البستان أو عاثت فساداً في الزرع والضرع وتمددت سيقانها مثل حبال المشانق، ومن يدري ربما يكون لذلك حكمة في ضمير من يريدون إفساد المشهد الأدبي وتحويل مساره إلى مداولات سمعية لا تخضع لقوانين الطبيعة إنما هي مجرد انعطافات باتجاه اللامعقول ولا غرابة في ذلك أبداً لأنه في غياب المرجعية النقدية يصبح لكل محتال قوال ناقداً فذاً وفطحلاً وعبقرياً وعملاقاً في مجال البوح النقدي.

في غياب المرجعية يرفع التلاميذ أصابعهم ليحكوا عن قصة خيالية لا علاقة لها بالواقع وذلك جرياً وراء النجومية والامتثال لأنا متضخمة حركت مياهاً راكدة في النفوس فاليوم لكل ثرثار أستاذ في النقد يفصل ويعلل ويدلل ويحلل ويقلل ويبصم بالعشرة أنه قرأ واستقرأ وعلم ما لم يعلمه يوسف عليه السلام في حلمه، وموسى في رؤيته. هذا النموذج من النقد لا تخلق وعياً أدبياً بقدر ما يخوض معركة ضارية مع نفسه محاولاً أن يفتت من بعض عقده وتراكمات دهره. يحاول أن يهرب إلى الخلف متحاشياً ضروب النرجسية متفادياً صدمات النقص. هذا النوع من الثرثارين يخلعون النعال ويركضون حفاة عراة من الضمير واقفين في خداع بصرية، توهمهم أنه بالثرثرة يصنعون مجداً ذاتياً، وعلى حساب الآخرين.

وهؤلاء الثرثارون يشبهون إلى حد ما الثرثرة في المجالات الأخرى، كالدين، فاليوم كما أصبح لدينا مفتون في كل صغيرة وكبيرة وكل ركب الموجة بدافع "المفهومية"، أيضاً أصبح لدينا نقاد يخوضون في كل مستنقع، ويمضغون لبان اللاوعي بحكمة الأحلام الكاوبوسية والأوهام التي تستدرجهم لأن يتصوروا أنهم بالفعل صاروا نقاداً كباراً فيطلقون الأحكام جزافاً، ولا راد لعقولهم فقط لأنهم وجدوا ضالتهم في منابر تلتقط العاثر والداثر ولا تبالي بما تؤول إليه نتائج هذه العبثية..