الإثنين 4 أبريل 2016 / 19:41

أين الفلسفة؟

الفكر يتطرف، يذهب إلى أقصى اليمين، الفكر العام الجمعي وليس فقط فكر الأفراد الذي تأبطوا شرّاً وذهبوا في الطريق الأعور الذي يرى الحياة بعين الموت. بل يتطرف الفكر في أوساط الجمع المهول " العادي" من البشر. حتى بين الشباب الصغار؛ أولئك المسحوبين إلى شاشة هواتفهم الصغيرة يحملونها في أيديهم طوال الوقت يلعبون ويقرأون تعليقات على صور ينشرونها يثرثرون ويهزؤون، حتى أولئك الشباب الغير جادون الذين يقضون الوقت فقط في التسلية، حين يأت الأمر في سؤال حول الحياة والدين يذهبون في قناعتهم إلى أقصى التطرف. يقولون "حرام"، و"كافر"، هكذا ببساطة شرب القهوة المثلجة الممزوجة بالكريمة. لا يريدون أن يجهدوا أنفسهم في التفكير أو التساؤل، فالأسهل ترديد ما يردده الآخرون الذين يبدون أكثر حنكة وخبرة والأمر في النهاية لا يعنيهم بشكل شخصي. فالأسلم في الرأي التكفير، لأن التفكير متعب. هذا واقع حقيقي موجود لا فائدة من غض الطرف عنه ولا يمكن أن تتسم الجهود المبذولة لنبذ التطرف بالصدق والمصداقية لو لم تعترف بوجوده؛ أول خطوة جادة لحل أي مشكلة هي الاعتراف بوجود المشكلة أساساً.

هؤلاء بشر لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يستوعبون، وغالبا يقرؤون بحثاً عن "الأجر" ويتركون الكتاب جانباً درءً "للإثم" فماذا لو كان ما يقوله هذا الكاتب حرام؟، وهم لا قدرة لهم على النار تسلخ جلودهم، والحياة قصيرة لا نريد أن نضيعها في الجدل، أن تؤمن أن كل شيء "حرام" أنت تتقى النار.. حتى لو اتقيت بذلك الحياة. وكأن الحياة ليست مسؤولية، وكأنها ليست هبه، وكأن الله خلقنا لانتظار الموت، نبدأ بعده الحياة!
هكذا تفكير يطغى على عقلية المجتمع، ولا أحد يريد أن يناقشه ولا أحد يريد أن يعترف أن تدهور التعليم والإعلام وغياب "الفلسفة" أحد أهم أسباب انتشار الفكر الأحادي المائل للتطرف كحل وقائي من الوقوع في الإثم المحتمل.

أين الفلسفة من المناهج الدراسية والجامعات في الخليج العربي؟ لماذا تم إلغاؤها؟ ولمصلحة من؟ هل جلس أي مسؤول حصيف ليفكر في هذا التساؤل؟ كيف لا يتم ربط النتيجة الكارثية في الفكر الضحل الحالي بغياب العلوم الفلسفية من المناهج الدراسية؟ قالوا الفلسفة حرام؛ فأصبحت الحياة بعد ذلك كلها حرام. حتى بالنسبة لمن يعيشونها برفاهة، من يقضون أوقاتهم بشكل مدني عادي يظلون طوال الوقت يستغفرون لضعفهم البشري، الضعف البشري الذي جعلهم يجلسون في مقهى أمريكي يشربون قهوة أمريكية سوداء، ويركبون سيارة ألمانية الصنع لأنها متينة، ويرتدون ملابس فرنسية لأنها أنيقة، يستغفرون عن هذه الممارسات الحياتية لأنها انتاج كفُار ويتألمون نفسياُ لضعفهم البشري . ليست فكرة "زهد" انما فكرة "استنكار" لأن المنتج المستهلك من غير ملّة.

يعجز الطب عن تجميل تشوه أصاب إحداهن جراء حادث، يقترح الطبيب التجميلي الوشم بلون الجلد كحلّ وحيد، تجيب بهلع "استغفر الله، الوشم حرام" . لا زالت ترفض الزواج خجلاً من التشوه الجلدي في المكان الحساس.

تستمع أخرى لقصيدة في العشق الالهي، تعجب بها وهي تترنم على وقع كلماتها، ثم تستدرك نفسها مستغفرة فهذا الكلام حرام!
وأخرى تجيب بعد وعكة صحية عن حالها "الحمدلله أفضل، الله يشفى جميع المسلمين"، وماذا عن البقية؟ ترفع عينها تتثاءب ببطء وتتساءل بكسل: "من؟ الكفار؟"

هذه نماذج فتيات متعلمات خريجات جامعات وشهادات عليا.. اطرحها لتوضيح حجم "العادية" في التحريم والاقصاء.
أين الفكر والتسامح الذي نتحدث عنه؟ الكلام سهل، مواجهة المشكلة تحتاج شجاعة أكبر من ذلك. المشكلة متغلغلة، لا يمكن فك هذا التغلغل إلا بحقن الدماغ البشري المتبلّد عند نقطة الفراغ، بحقنة السؤال؛ ومَن غير الفلسفة يُغلغل الأسئلة؟