الأحد 8 مايو 2016 / 19:23

الفوز بالمستقبل

يضعنا الإعلان عن عام 2016 عاماً للقراءة وإطلاق الاستراتيجية الوطنية للقراءة حتى عام 2026 أمام تحدٍ كبير ومهمة ليست باليسيرة. مهمة، قبل أن تكون مجتمعيَّة، هي في المقام الأول ذاتية أو شخصيَّة، موجهة لكل فرد منّا.

هذه المهمة في جوهرها عملية تغيير، ومقترح تطوير معرفي وسلوكي. فأن تقرأ يعني أنك قررت أن تتغير، أن تنتقل من حال إلى حال. كما تعني القراءة أن الإنسان يبقى في حاجة دائمة إلى معلومات ومعارف تساعده على مواكبة التغير الذي يطرأ في حياته.

أن تقرأ يعني أن تُجدِّد، أن تَتَغيَّر، وأن تُغيِّر. التغير هو الشيء (الثابت) في الوجود. الكون من حولنا في حال تغير وتبدل مما يفرض على الإنسان تجديد النظريات والعلوم في التعامل مع البيئة والطبيعة. أجسادنا كذلك في تحوّل دائم، يوماً بعد يوم، ونحتاج إلى الاطلاع على مصادر ومعلومات نستقي منها السلوك الغذائي والصحي السليم الذي يواكب التغير الجسدي.

حين ندخل المدرسة نتغيَّر، فننتقل من مرحلة تلقي الرعاية الأولية والمعلومات البسيطة من الأسرة إلى مرحلة متقدمة في أسلوب التعلم وبناء الذات، لهذا نحتاج المعرفة، نحتاج القراءة. وما أن ننتهي من الدراسة الأكاديمية حتى نترك خلفنا عالماً، ونلج عالماً آخر متغير متبدِّل هو بيئة العمل، يتوجب علينا فيها تعلم معارف جديدة بالبحث والاطلاع.

لكن بين الطموح والواقع مسافة كبيرة يجب قطعها. القراءة الحقيقية والمعرفة المثمرة تتطلب صياغة الأسئلة: لماذا نقرأ؟ وماذا نقرأ؟ وكيف؟ ما أفضل الاساليب لزرع عادة المطالعة عند الطفل؟ ما دورنا كأفراد في التعليم؟ أي معرفة نحن في حاجة إليها؟ في أي الأطر يجب صياغتها؟ وأي الوسائط هي الأفضل لتوصيلها؟

لا شك أن السياسة التي تم اقرارها تناولت مثل هذه الأسئلة البديهية، إلا أن السياسات والتشريعات والقوانين ستبقى على الورق إذا لم نقم نحن كأفراد بالمشاركة والمساهمة. يقع على عاتق كل واحد واجب وطني كبير هو المبادرة والمشاركة في صنع المستقبل.

دون قيام الأسرة بدورها فإن المدرسة لن تحقق كامل أهدافها، وإذا لم يقم الموظف بتطوير ذاته بالتدريب وتنمية مهاراته بالاطلاع والقراءة فإن المؤسسة التي ينتمي إليها لن تصل إلى أهدافها.

هذا يتطلب كذلك انتهاج منطق البحث والتحليل العلمي، أن ندرّب أنفسنا على التعامل مع المتغيرات. من الضرورة التعامل مع أية مشكلة أو إخفاق أو نقص بروح المعاينة الدقيقة والتفهم والاستيعاب، بدلاً من الرفض والإنكار، بتبني التفكير الإيجابي والشجاع، والتخلص من الارتجال والسلبية والضعف.

في تعاملنا مع الاجيال الجديدة فإن اساليب التعليم القديمة لم تعد صالحة ولا مقنعة. في عصر العلم والتنوير هذا، اصبح للطفل كيانه وشخصيته التي تميل إلى روح الاستقلال والسؤال. فهم سيكولوجية هذه الأجيال والعمل معهم هو الطريق الوحيد للفوز بالمستقبل.