الخميس 30 يونيو 2016 / 20:29

قطرة سيلفي وغيث خيانة وطن

عشرات الأعمال التلفزيونية مئات ملايين من الدولارات، عشرات من شركات الإنتاج، مسلسلات تنوعت وتباينت، وتعددت وتشابهت واختلفت.
أعمال خليجية ومصرية ولبنانية وسورية، تراوحت بين الدراما التراجيدية والدراما الكوميدية والتشويق والحركة والغموض والقضايا الاجتماعية والإنسانية.

ولكنها أعمال في معظمها غابت عن واقعنا وتحدياتنا ولم تلامس تلك الأعمال على كثرتها القضايا الحقيقية والتحديات المصيرية التي تواجهها الأمة العربية، ابتعدت معظم الأعمال عن صناعة الوعي وبناء الإدراك الحقيقي والانتصار للفكر، لم تلامس معظم الأعمال التلفزيونية الجرح الذي تسبب في نزيف الأمة والذي جعل الملايين من العرب مشردين ولاجئين.

حاولت معظم الأعمال العربية أن تنأى بنفسها عن الخوض في القضايا السياسية الشائكة وابتعدت عن طروحات ازمة الطائفية والعنصرية وهربت من مواجهة الفكر المتشدد والمتطرف ربما لأن تلك الأعمال من الصعوبة أن تجد لها مشتر، فمعظم شركات الإنتاج تهرب من القضايا الشائكة أو تلك التي قد تتسبب في منع بث العمل، وتنأى بنفسها عن الاعمال التي قد تواجه عاصفة من الانتقادات.

لكي تضمن شركات الإنتاج سوقا لإنتاجها التلفزيوني فضلت أن تكون المنطقة التي تعمل بها آمنة، واختارت أن يكون مبدأ العرض والطلب باقيا لكي تجني أرباحا من الإنتاج التلفزيوني.

وفي حقيقة الأمر لمثل تلك الشركات ما يبرر هروبها من التصدي لأعمال سياسية وقضايا شائكة قد تتطرق للدين وسوء تفسيره، لذا نحن لا يمكننا مساءلة الجهات الإنتاجية عن تخاذلها في مواجهة فكر التطرف والتشدد، أو تقاعسها عن إنتاج يواجه ودعوات التكفير ونزعات العنصرية ونحن نتفهم موقف مثل تلك الشركات الذي لا يريد أن يتصدى لأصوات وأبواق الفتن التي أهلكت العباد والبلاد وأحرقت الأخضر واليابس وحولت بعض الدول العربية إلى مقدرات منهوبة وشعوب مشردة وأراض مقسمة وصراعات دموية.

وبالرغم من أن كل المؤسسات التي تمتلك خاصية التواصل مع الجمهور مسئولة مسئولية مباشرة عن تشكيل الوعي الجمعي ونحن في أمس الحاجة إلى أعمال تلفزيونية تهتم بهذا الجانب ولأن الجهات وشركات الإنتاج الخاصة تتردد في القيام بهذا الدور فإن كل ذلك يعيدنا إلى ضرورة أن تتبنى الحكومات العربية مبادرة إنتاج مثل تلك الأعمال التلفزيونية وأن تكون الجهات الرسمية مسئولة عن مهمة تمويل إنتاج عربي يتوجه للمشاهدين لمناقشة وطرح ومعالجة الفكر الذي تسيد المشهد العربي في غياب تام لأدوار الجهات التربوية والثقافية والإعلامية.

نحن في مرحلة تاريخية ومصيرية فاصلة نحتاج فيها إلى بناء فكر حقيقي وإلى توحيد الجهود لمواجهة حروب جديدة لم نستعد لها جيدا وأهم أسلحة مقاومة تلك الحروب والتصدي لها تشكيل الوعي وبناء الإدراك وتعرية الأفكار المتطرفة، والجماعات المتشددة، وتنبيه فئات المجتمع بمصادر التواصل مع المنظمات التي تتجند الشباب العربي لضرب مجتمعاته واستقرارها.

إن خيانة وطن المسلسل الذي تصدى تلفزيون أبو ظبي لإنتاجه هو العمل الأبرز الذي يمثل طبيعة الأعمال التي يحتاج لها المواطن العربي في تلك المرحلة.

ونحن لا نصادر حرية الإبداع والإنتاج ولكن يجب أن يكون لمثل تلك الأعمال مكانا بارزا في الأعمال التي يتم تقديمها للمواطن العربي.
في العام المنصرم كان مسلسل سيلفي الذي يقوم ببطولته ناصر القصبي هو العمل الوحيد الذي تصدى للفكر الفاسد والعقيدة الخاطئة والأفكار المسمومة التي تسرق عقول شباب وتجعل منهم قنابل موقوتة.

وفي هذا العام أكمل سيلفي هذه المهمة بكل شجاعة وقوة، مع تفاوت المعالجة والطرح، إضافة إلى العمل الكوميدي: مأمون وشركاه الذي يقوم ببطولته الفنان الكبير عادل إمام، الذي يستمر في نهجه في تعرية الفكر المتشدد، وأسبابه.

سيلفي كان القطرة ونشاهد اليوم غيث خيانة وطن ومأمون وشركاه ولكننا ننتظر المزيد من الغيث الذي قد يروي جفاف الفكر وتصحر العقول.