عبد الباسط إقطيط وزوجته ساره برونفمان وابنتهما في شقتهما بمانهاتن (فوربس)
عبد الباسط إقطيط وزوجته ساره برونفمان وابنتهما في شقتهما بمانهاتن (فوربس)
الأحد 24 سبتمبر 2017 / 18:27

الليبي عبد الباسط إقطيط.. رجل قطر الإخواني الجديد وصهر برونفمان الصهيوني

24 - سليم ضيف الله

تعيش ليبيا منذ أكثر من شهر على إيقاع دعوة رجل الأعمال الغامض عبد الباسط إقطيط، للتظاهر ضد حكومتي، طرابلس وبنغازي المتنازعيتين، وإلى إقامة حكومة جديدة، تجمع الليبيين بقيادته، للخروج من الأزمة والخلافات العميقة التي تشق ليبيا، وتدعم استمرار الإرهاب، كما يزعم.

وبعد منع سلطات طرابلس رسمياً التظاهر، وحظر الوصول إلى ميدان الشهداء في المدينة، ورمز ثورة فبراير (شباط) 2011 ضد نظام القذافي، يخشى المراقبون تطور الوضع السياسي والعسكري في ليبيا وفي العاصمة طرابلس، وترديها بشكل أكثر خطورة، إذا فشلت المحاولة الإخوانية الجديدة، للعودة إلى المشهد السياسي والعسكري، عن طريق عبد الباسط إقطيط، أخطر رجل في ليبيا، رغم شهرته المحدودة إلا بين الأوساط المطلعة على خفايا المشهد في طرابلس، وفي مسقط رأسه بنغازي.

وكان إقطيط، رجل الأعمال والعلاقات المشبوهة والغامضة الكثيرة والمتشعبة، أحد الوجوه المرشحة لتولي رئاسة الحكومة في عهد حكومة الإخوان الرسمية المنبثقة عن برلمان طرابلس، لكن تعيين علي زيدان الذي شغل المنصب بين 2012 و 2014، حرمه من ذلك، ليختفي من المشهد تقريباً قبل عودته بالدعوة إلى التظاهر والاحتجاج، في الأسابيع الماضية.

وفي دعوته الرسمية التي أصدرها في أغسطس (آب) الماضي طالب إقطيط الليبيين بالخروج للتنديد بالوضع السياسي، والدعوة لانتخابات جديدة فورية، وتحدي سلطات المدينة "لأن كل الدول التي تريد الخير لليبيا، سترى الليبيين في هذا اليوم، وعلى رأسهم الحكومة الأمريكية، خاصةً البيت الأبيض، وكل المؤسسات الإعلامية في العالم".

إسلام سياسي وصهيونية عالمية
وجاءت دعوة إقطيط لتمثل إرباكاً حقيقياً للمشهد الليبي، بسبب علاقاته الكثيرة مع الإسلاميين من جهة، ومع الصهيونية العالمية من جهة ثانية، ما أعاد للأذهان وبقوة حقيقة الدور الذي لعبته بعض الأوساط الصهيونية، الحقيقي أو المزعوم في الأحداث التي عصفت بالعالم العربي منذ 2011، والتي يُمثلها في ليبيا رجل الأعمال والسياسي الإخواني عبد الباسط إقطيط.

ورغم أن الرجل ينفي وبقوة في كل مناسبة أي علاقة له بالإسلام السياسي أو بالإخوان، وبالدوائر العالمية والصهيونية تحديداً، إلا أن الوقائع تؤكد عكس ذلك تماماً، وتوحي بأن تزامن ظهور إقطيط على الساحة الليبية من جهة، والعلاقات المتنامية بين المنظمات الصهيونية الأمريكية وقطر تحديداً وعلى رأسها الأمير تميم بن حمد، ليس مجرد صدفة، أو تظافر عوامل عفوية.

في خدمة قطر
رغم حداثة سنه نسبياً، وهو المولود في 1970، إلا أن عبد الباسط صعد بسرعة صاروخية، وهو الذي يجر وراءه تجربة طويلة في عالمي المال والأعمال، ليس في ليبيا، ولكن في سويسرا منذ 2004، وتحديداً في مدينة سانت غالن، التي ظهر فيها على رأس شركة "سويس انفست مانجمنت" التي لا يتجاوز رأس مالها 100 ألف فرنك سويسري ( 103 آلاف دولار) وعدد موظفيها الشخص الواحد حتى الآن، وفق ما جاء في بيانات السجل التجاري السويسري.

ولكن هذه الشركة "الشبح" لم تمنع إقطيط من التخصص في تقديم خدمات مالية واستشارات متنوعة للحكومة القطرية، بل تطورت أعماله وأنشطته المجزية بشكل لافت، وفي 2006 استحوذ إقطيط على سويس ميديست فايننس غروب، لتتحول الشركة إلى مستشار مالي دولي حصري، لشركة ديار القطرية.

وفي 2007 سيطر إقطيط على شركة ميتريكا الألمانية المتخصصة في الديكورات الداخلية لليخوت والمراكب الفاخرة، والطائرات، والشقق والعقارات الراقية.

وفي 2011 وبعد اندلاع الأحداث التي شهدتها ليبيا، أسس إقطيط "أثال إنرجي" المتخصصة في مشاريع البنية التحتية وتطوير، واستكشاف، وترويج آبار النفط والغاز في ليبيا، وتصدير الخام والغاز الليبيين إلى الأسواق العالمية.

ولكن رغم نشاطه المالي والاستثماري، إلا أن أبرز ما عرف به إقطيط، لا يتمثل في استثماراته، ولكن في علاقاته الشخصية، أولاً بقطر منذ سنوات طويلة، ثم بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي، أثناء الأحداث الدموية التي عرفتها ليبيا، بعد تعيينه ممثلاً خاصاً لرئيس المجلس مصطفى عبد الجليل في أمريكا الشمالية ودول أمريكا الجنوبية، لكسب تأييد الدول والمنظمات الإقليمية والدولية بالمجلس ممثلاً شرعياً وحيداً لليبيا، على حساب نظام معمر القذافي.

وإلى جانب هذه الجوانب المُثيرة الغامضة، تطغى الحياة العائلية والشخصية على هذا الليبي "الطموح" وبشكل أكبر ربما من الجوانب الأخرى في مسيرته.

مُفتي سياف الليبية المقاتلة
ورغم رفضه وتفنيده لأي صلة له بالإسلام السياسي، وبالإخوان المسلمين تحديداً، إلا أنه يصعب على المتابع الفصل بين الرجل ووالده حسن عثمان إقطيط، شيخ الأفغان العرب في أفغانستان ثم بيشاور الباكستانية، بعد هروبه من ليبيا إثر الإفراج عنه بعد تورطه في إصدار فتوى بتصفية قيادي بارز في اللجان الثورية في مدينة بنغازي أحمد مصباح الورفلي، في أغسطس (آب) 1986، والتي تلتها حملة رسمية طالت قيادات الإخوان المسلمين في ليبيا، في مقدمتهم حسن عثمان إقطيط، الذي كان من أهم رموز مجموعة ما يُسمى بسياف ليبيا التابعة للجماعة الليبية المقاتلة بقيادة عبد الحكيم بالحاج، الإخواني الليبي البارز، في ليبيا أولاً ثم في أفغانستان في صفوف القاعدة والتنظيمات المتطرفة الأخرى في التسعينات من القرن الماضي.

لكن العلاقات الشخصية والعائلية لمشروع هذا الزعيم "الإسلامي" الجديد، تتسع أيضاً لطرف صعب في المعادلة السياسية التي ينادي بها الإسلامي السياسي، أي التحالف والارتباط بالدوائر العالمية الكبرى، بما فيها الصهيونية إذا اقتضى الأمر.

وبالنظر إلى حياة إقطيط الخاصة، يبدو مُثيراً ارتباط الرجل بإحدى العائلات الأكثر ثراءً وإثارة للجدل أيضاً، عائلة برونفمان الأمريكية الكندية الشهيرة، التي لا تقل شهرة عن عائلة روكفيلر وربما نافستها في الثروة والنفوذ، وعميدها الراحل إدغارد مايلز برونفمان، وريث إحدى أكبر الشركات الكندية ثم الدولية في مجال المشروبات الروحية والخمور، سيغرام، وصاحب إحدى أضخم الثروات في العالم.

أكبر جسر جوي نحو إسرائيل
ولكن برونفمان الكندي المولد والأمريكي الجنسية، لم يكتف بثروته الهائلة، بل يُعد من أبرز الشخصيات اليهودية المؤيدة للصهيونية وأحد أشهر رؤساء الكونغرس اليهودي العالمي بين 1979 و 2007، وتعتبر المنظمات الصهيونية واللوبيات الموالية لإسرائيل، برونفمان أحد أهم من خدم الصهيونية الدولية، والهجرة إلى إسرائيل، إذ نجح برونفمان في 1985 في عهد ميكائيل غورباتشيف، في إقناع زعيم الاتحاد السوفييتي السابق، برفع الحظر عن الاستيطان اليهودي الروسي في إسرائيل، وتنظيم أكبر جسر جوي استيطاني سمح بانتقال أكثر من 560 ألف يهودي إلى إسرائيل، في أكبر "عاليه نحو أرض الميعاد" في تاريخ إسرائيل الحديث.

ومن إنجازات برونفمان الكبرى أيضاً، نجاحه في إجبار البنوك السويسرية على دفع "غرامات تعويض قياسية" لفائدة اليهود المضطهدين في أوروبا زمن النازية، ومصادرة أموالهم من قبل الحكومات الموالية لهتلر وتحويلها إلى سويسرا.

أما أكبر إنجاز في سجل الرجل، فكان في اتهام الأمين العام السابق للأمم المتحدة النمساوي كورت فالدهايم بالنازية بين 1972 و1981، وبالعمل تحت إمرة المخابرات النازية في يوغسلافيا السابقة، عندما كان رئيساً لبلاده بين 1986 و1992، على خلفية مواقف النمسا المؤيدة للقضية الفلسطينية والمواقف العربية، خاصةً في السبعينات من القرن الماضي، بقيادة المستشار السابق الشهير من أصل يهودي وأحد أكبر أعداء إسرائيل، بورنو كرايسكي، الذي حكم النمسا بين 1970 و1983، وكان أول زعيم غربي على الإطلاق يعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ويستقبل الرئيس الراحل ياسر عرفات رسمياً في بلاده، ما جلب له ولبلاده عداءً إسرائيلياً وصهيونياً غير مسبوق.

زواج من "أجل ليبيا"
ولكن هذه المحطات والأحداث، لم تمنع الليبي عبد الباسط إقطيط، ولا الزعيم الصهيوني الشهير، من الالتقاء عند قاسم عائلي مشترك، بما أن الأول تزوج إبنه الثاني في 2011، أحد أغنى أغنياء ليبيا بعد وفاة برونفمان وحصول ابنته ساره، وحفيدته من صهره الليبي، على نصيبها من ثروة رجل الأعمال الراحل الضخمة.

وفي 2011، وفي أوج الأحداث التي كانت تشهدها ليبيا، كان مُثيراً للنظر وجود ساره برونفمان في طرابلس عبر مؤسسة "ليبيا الجديدة" التي ظهرت للوجود في 25 فبراير (شباط) 2011، لمساعدة الليبيين على إدارة شؤون حياتهم العامة بأنفسهم قبل أن تتوسع عملياتها لتشمل التكوين والتدريب في مجالات الحوكمة، وإدارة المؤسسات، وحقوق الإنسان، وغيرها من المجالات الأخرى.

وبعد أشهر قليلة، وبعد خطبة قصيرة، ثم زواج سريع، أصبح عبد الباسط إقطيط عضواً مؤثراً في غرفة التجارة الأمريكية الليبية، التي أحدثها أحد شركائه الأمريكيين آدم هوك، شريكه أيضاً في مؤسسة ليبيا الجديدة، والمتخصص السابق في شركات التكنولوجيا وتمويلها، بعد سنوات من قسم الخدمات المالية الخاصة، في بنك الأعمال الأمريكي العملاق السابق بير ستيرن، أحد أهم الأذرع المالية لامبراطورية الفرع الأمريكي من عائلة روكفيلير العابرة للقارات.

وبعد رئاسة قصيرة لغرفة التجارة الأمريكية، لم يستمر هوك طويلاً بسبب إدانته في نيويورك قضائياً، واستلمت ساره إقطيط برونفمان مسؤولية غرفة التجارة الأمريكية الليبية، ومعها بفضل جنسيتها الثانية غرفة التجارة الليبية الكندية أيضاً، وهما الغرفتان الغربيتان الوحيدتان الناشطتان في ليبيا، بعد سقوط النظام السابق، بشكل رسمي وبطريقة مهيكلة ودائمة رغم انعدام الأمن والاستقرار ورغم النزاعات المسلحة، التي لم تؤثر حتى الساعة على الصفقات والتبادلات المالية، بين بعض رجال الأعمال الليبيين والخارج، ما يطرح أسئلة مشروعةً عن طبيعة العلاقات الشخصية والعامة لرجل مثل إقطيط، ودورها في الأحداث المتسارعة في بلاده، وفي المنطقة، والحجم المتنامي للأطراف الخارجية وفي مقدمتها جهات أقل ما يُقال عنها إنها مشبوهة فيها.

وبالنظر إلى التقاريرالأخيرة عن مساعٍ قطرية رسمية لعقد محادثات بين أمير قطر والمنظمات الصهيونية الأمريكية، يبدو أن محاولة الإخواني الليبي عبد الباسط إقطيط الظهور في المشهد الليبي، بدعم مباشر أو غير مباشر من الدوائر الصهيونية ليس صدفة، أو حدثاً عارضاً، ولكن يمكن اعتباره أحد المؤشرات على قرب خروج العلاقة بين الإسلام السياسي ورعاته ممثلين في بعض المسؤولين القطريين، والصهيونية إلعالمية إلى العلن، والانتقال من مرحلة التفاهم إلى التحالف الرسمي، مسألة وقت ليس أكثر.