السبت 7 أكتوبر 2017 / 19:39

رسامو القصص المصورة في الجزائر يسعون لنيل الاعتراف بفنهم

عانت القصص المصورة في الجزائر حال احتضار بفعل "العشرية السوداء" في التسعينات بعد فترة من الازدهار، غير أنها عادت للحياة في العقد الأخير بفضل رسامين وناشرين شباب شغوفين بعملهم يسعون على الرغم من التحديات الاقتصادية للارتقاء بمستوى هذه المنشورات.

وغداة الاستقلال عن المستعمر الفرنسي في 1962، حوّل الشباب المتشبعون بالقصص المصورة البلجيكية والفرنسية مثل قصص "تان تان" أو "استيريكس" التي ظهرت في أواسط القرن الماضي، الجزائر إلى بلد رائد في هذا الفن في المنطقة.

وأعقب ذلك الانفتاح السياسي والإعلامي بعد 1988 وإطلاق صحيفة "المنشار" الساخرة التي تتناول المواضيع السياسية من خلال رسومات كاريكاتورية.

لكن التجربة لم تدم طويلاً بما ان الحرب الاهلية التي عرفت بـ"العشرية السوداء" اندلعت في 1992 وقتل خلالها عشرات الصحافيين بينهم رسامون بينما اضطر آخرون إلى الهجرة.

ومنذ انطلاق "المهرجان الدولي للشريط المرسوم" في الجزائر العام 2008 والذي تختتم الدورة العاشرة منه السبت، ظهرت مواهب جديدة من الرسامين الشباب في هذا المجال، على ما أوضحت ايمان علال المسؤولة عن القصص المصورة في دار النشر "داليمان".

أساليب متنوعة
على الرغم من تأثرهم بالقصص المصورة في فرنسا وبلجيكا وكذلك رسومات المانغا والرسوم المتحركة اليابانية، يظهر الرسامون الجزائريون أساليب متنوعة.

فالقصص المصورة في الجزائر مزيج من الأعمال ذات الطابع الفكاهي كتلك التي يروي فيها الرسام سمير طوجي سيرته الذاتية، وأخرى عن الهموم اليومية كتلك التي تصورها الرسامة دالو، مع حيز للانتقاد السياسي اللاذع كما في أعمال الرسام أندلو تضاف إليها الأعمال الشاعرية المرافقة لنصوص نوال لوراد، إضافة إلى أعمال جزائرية كثيرة مستوحاة من قصص المانغا اليابانية أو القصص المصورة الأمريكية.

وخلال السنوات العشر الأخيرة، شهدت الجزائر انطلاق داري نشر متخصصتين في القصص المصورة هما "زاد لينك" و"كازا"، إضافة إلى تأسيس قسم متخصص بهذه المنشورات في دار نشر "داليمان" فيما تعيد دار النشر الحكومية (المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية) نشر قصص مصورة قديمة.

لكن التحديات لا تزال كبيرة وأبرزها غياب شبكة التوزيع وقلة المكتبات وصعوبة توصيل المنشورات في بلد شاسع تبلغ مساحته 2,2 مليون كلم مربع، بحسب ما أوضحت إيمان علال وسليم براهيمي مدير دار نشر "زاد لينك" التي أسسها في 2007.

أسعار باهظة
هذه المشاكل لا تقتصر على مجلات القصص المصورة بل تعني المنشورات كافة، على ما أوضح الناشران.
وأشارت إيمان علال إلى أن بعض التحديات تتعلق خصوصاً بالقصص المصورة ومردها خصوصاً إلى "تكاليف الصناعة الكبيرة بالنظر إلى أن عدد السحب ليس كبيراً" (حوالي ألف نسخة لكل مجلة) ما يجعل ثمن البيع مرتفعا. فمجلات دار "داليمان" مثلاً تباع بسعر يراوح بين 800 دينار وألف (بين 7 دولارات و9) وهو سعر مرتفع مقارنة بالقدرة الشرائية للجزائريين، حيث ان متوسط الأجور يبلغ 40 ألف دينار (352 دولاراً).

لذلك فإن المكتبات لا تبيع سوى عدد قليل من المجلات، كما أكد سمير طوجي الذي نشر قصتين مصورتين بتمويل ذاتي بهدف "معاينة المشكلات بنفسه" وفهم الصعوبات في هذا القطاع.

وتحاول دار النشر "زاد لينك" تقليص تكاليف انتاجها من خلال اعتماد حجم اصغر وشكل يشبه منشورات المانغا اليابانية، ما يسمح لها ببيع إصداراتها بسعر 500 دينار أي ثمن علبتي سجائر.

وأشار براهيمي إلى أن داره نشرت 54 قصة مصورة خلال عشر سنوات بمعدل ألف إلى ألفي نسخة لكل قصة. ومن بين هذه المنشورات، "20% حققت نجاحاً حقيقياً و60% سجلت مبيعات متوسطة النجاح و20% منيت بالفشل".

نظرة ساخرة
وأقر سليم براهيمي وهو أيضاً رسام أسس مجلة متخصصة في ألعاب الفيديو ورسومات المانغا، بأن إصدارات القصص المصورة لا تزال ضعيفة قائلاً "كنت أعرف أني لن أعيش من هذا" النشاط. فهو إلى جانب شغفه بهذا الفن يعمل صحافياً بالإذاعة الحكومية.

وقال الرسام أندلو "لا اعرف رساماً واحداً يعيش من فنه"، وهو نفسه يكسب قوته من العمل في مختبر أدوية، مضيفاً "حتى في فرنسا لا يعيش مؤلفو القصص المصورة من عملهم فما بالك بالجزائر".

أما الرسامون في دار نشر "زاد لينك" فتراوح أعمارهم بين 25 و35 سنة وهم في أغلب الأحيان إما طلاب جامعيون أو موظفون، بحسب سليم براهيمي.

إلى ذلك، تعاني القصص المصورة من النطرة الساخرة للمجتمع الجزائري، "فهي في كثير من الأحيان تنعت بـ+الميكيات+ نسبة إلى شخصية +ميكي ماوس+ وهي صفة تطلق عادة على كل ما هو غير جدي" وفق براهيمي.

ويتمنى أندالو ان "تدخل القصص المصورة إلى المناهج الدراسية" وأن تدرك "المرجعيات العليا" أن هذه القصص "أسلوب أدبي لا يخص الأطفال وحدهم".