حديقة ماجوريل في المغرب الأقصى (أرشيف)
حديقة ماجوريل في المغرب الأقصى (أرشيف)
الخميس 27 سبتمبر 2018 / 20:13

حديقة ماجوريل...اختزال العالم كله في حديقة

جاك ماجوريل (1886-1962) رسام فرنسي استشراقي، وابن مصمم الأزياء الفرنسي الشهير لويس ماجوريل. في عام 1917 زار ماجوريل الابن مراكش بدعوة من المقيم العام الفرنسي في حقبة الاحتلال الفرنسي للمغرب.

أراد ماجوريل اختزال العالم كلّه في حديقة! لذلك جلب النباتات والأشجار من خلال أسفاره حول العالم في القارات الخمس

انبهر ماجوريل بالتنوع الثقافي الهائل لمراكش والمغرب إلى الحد الذي قرر فيه العيش والاستقرار في هذه المدينة العجائبية المذهلة مراكش، لذلك اشترى مزرعة نخيل وحولها إلى حديقة كونية استثنائية جداً هي حديقة ماجوريل.

وفي عام 1931 طلب ماجوريل من أحد المصممين الفرنسيين بناء استوديو خاص بالحديقة مبني على النمط المعماري المعروف آنذاك، وهو نمط الآرت ديكو ستايل.

 وابتكر ماجوريل لوناً أزرقاً استوحاه من ملابس الرجال في السنغال، ويُطلق على هذا اللون اسم أزرق ماجوري، لذلك نجد أن جدران الحديقة والجرار الفخارية مطلية جميعها بهذا اللون "الثقافي" المدهش الدال على انفتاح الحضارات.

ورغم أن جاك ماجوريل عاش في الحقبة الاستعمارية الفرنسية للمغرب إلا أنه أراد أن يؤسس بنفسه أيقونة ثقافية دالة على التواصل الحضاري والثقافي بين شعوب العالم المختلفة: أراد ماجوريل اختزال العالم كله في حديقة! لذلك جلب النباتات والأشجار من خلال أسفاره حول العالم في القارات الخمس: ستجدون أعواد البامبو الصينية متعانقة مع أشجار النخيل مع نباتات موسمية واستوائية نادرة جداً، ولكلّ شجرة ونبتة سيرة جمالية وتاريخ نادر!

تحتوي هذه الحديقة على متحف أمازيغي، وعلى جداريات ضخمة من الفن المعماري المغربي والأندلسي. وعلى مقربة من هذه الحديقة يقع متحف إيف سان لوران الذي افتتح السنة الماضية، الذي يحوي بعض مجموعات مصمم الأزياء الفرنسي الشهير إيف سان لوران من الأزياء والملابس والمجوهرات والاكسسوارات التي استوحاها من انبهاره الشديد بتاريخ المغرب وخاصةً تاريخ مراكش.

لقد استطاع كل من جاك ماجوريل وإيف سان لوران تحويل صداقتهما العميقة الاستثنائية للمغرب والوطن العربي إلى أيقونات ثقافية متجسدة. جاك ماجوريل كان خارجاً عن دائرة التلقي الكولونيالي الاستعماري للآخر، لذلك خرج على هذه التأطيرات النمطية، واحتفت حديقته باختزال التنوعات الثقافيّة الكونية في حديقة تشير رمزيتها العميقة إلى أن العالم كله كون واحد رغم اختلافه، وأن الاختلافات الثقافية تجعل المشهد أكثر إبهاراً وتألقاً، أما إيف سان لوران الذي كان مصمماً عبقرياً وأيقونة موضة فرنسية لافتة فقد استطاع من خلال الأزياء أن يجعلها ناطقة باحترام التنوع الثقافيّ للشعوب واحترام حدودها المائزة التي تفرقها عن الآخرين، لذلك كانت مجموعته"المراكشية" المغربية ناطقة باحترام هذا التنوع المذهل جداً.

ما شعرتُ به وأنا أزور "زنقة إيف سان لوران" أين تقع حديقة ماجوريل والمتحف، أن هذه "الزنقة" كانت نابضة وناطقة بالتنوع الكوني الخلاق، وأنها أبداً لاتحيل على إرث كولونيالي أراد تنميط الآخر وقولبته واستلابه.

من المهم جداً الالتفات إلى دور العمارة الناطقة في تقريب الشعوب والاحتفاء بالثقافات الكونية، ومن المهم جداً الالتفات كذلك إلى دور الأزياء والعلامات الأخرى في إصلاح ما قد تهدمه السياسة بين الشعوب خاصةً فيما يتعلق بالدول ذات الإرث الاستعماري الكولونيالي.