دبابة إسرائيلية في الجولان.(أرشيف)
دبابة إسرائيلية في الجولان.(أرشيف)
الأحد 7 أكتوبر 2018 / 10:30

تقرير: لا مفرّ من الحرب بين إسرائيل وإيران

رأى دانيال بايمان، الباحث البارز بمركز سياسة الشرق الأوسط بمعهد "بروكينغز" الأمريكي، أن إسرائيل ستحتاج إلى ترسيخ وضع مستقر رادع في سوريا، وهذا يعني توضيحها الخطوط الحمراء بالنسبة إلى جميع اللاعبين الفاعلين في سوريا، بما في ذلك إيران وروسيا، فضلاً عن الرد بقوة عند انتهاكها.

إسرائيل استخدمت الضربات العسكرية (أكثر من 100 غارة جوية) وكذلك الدبلوماسية لوقف تدفق الأسلحة المتطورة من الترسانات السورية والإيرانية إلى حزب الله في لبنان

ويحذر بايمان، في تقرير لمعهد "بروكينغز"، من استغلال إيران وحزب الله لضعف نظام بشار الأسد وعدم استقرار سوريا، حيث تخشى إسرائيل من أن تتحول سوريا إلى منصة جديدة للنفوذ الإيراني وإطلاق الهجمات. يعتقد المحلل الإسرائيلي المخضرم إيهود ياري أنه لا مفر تقريباً من خطر الحرب بين إيران وإسرائيل في سوريا.

تقويض النفوذ الإيراني
وتزايدت المخاطر في الآونة الأخيرة مع تدخل القوى الكبرى في سوريا مثل روسيا التي قدمت إلى نظام الأسد أنظمة دفاع جوي متقدمة مثل منظومة صواريخ إس 300 مما يعيق حرية تحركات إسرائيل في المنطقة، كما أعلنت إدارة ترامب مؤخراً عن بقاء القوات الأمريكية في سوريا لمواجهة النفوذ الإيراني.

وكشف التقرير أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية لديها دراية جيدة بسوريا. وفي العقود الأخيرة أظهرت إسرائيل أن قواتها قادرة على شن الضربات بسرعة في جميع أنحاء سوريا من قواعد داخل إسرائيل، فعلى سبيل المثال ضرب الجيش الإسرائيلي منشأة نووية سورية مشبوهة في 2007 وعمد إلى استهدف الإرهابيين في سوريا مثل عماد مغنية، العقل المدبر لحزب الله، علاوة على حرية التدخل المباشر لتقويض أي تهديد لإسرائيل ينبعث من سوريا.

الجسر الإيراني
وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تدعم فصيلاً محدداً في سوريا عند اندلاع الحرب الأهلية السورية في 2011 (خوفاً من الفوضى وأن يقود التدخل المباشر إلى نتائج عكسية) فإن إسرائيل نفذت تدخلات محدودة ركزت على أعدائها الأزليين: إيران وحزب الله في لبنان. وتعتبر طهران نظام الأسد حليفاً استراتيجياً، ولتجنب انهيار النظام في السنوات الأولى من الحرب الأهلية السورية أرسلت طهران عدة آلاف من قوات الحرس الثوري الإيراني لإنقاذه، بيد أنه مع وقوع خسائر كبيرة، بات دور الحرس الثوري الإيراني محدوداً في الوقت الراهن ويركز بشكل أكبر على قيادة وتوجيه العمليات. وبحسب مسؤولي الاستخبارات الإسرائيلية فإن إيران لديها في سوريا أكثر من ألفين جندي من قوات الحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى قرابة ثمانية آلاف من مقاتلي حزب الله وعشرة آلاف من الميليشيات الشيعية من باكستان والعراق وأفغانستان.

ويلفت التقرير إلى أن إسرائيل استخدمت الضربات العسكرية (أكثر من 100 غارة جوية) وكذلك الدبلوماسية لوقف تدفق الأسلحة المتطورة من الترسانات السورية والإيرانية إلى حزب الله في لبنان، وإبعاد القوات الإيرانية ووكلائها بعيداً عن حدودها على طول مرتفعات الجولان. ولكن الحسابات الإسرائيلية لإسرائيل تتغير مع انتصار نظام الأسد وتوسع النفوذ الإيراني في سوريا؛ إذ أكد وزير الدفاع الإسرائيلي في يوليو(تموز) الماضي على عدم استعداد إسرائيل لقبول أي وجود إيراني في سوريا؛ وبخاصة لأن ذلك الوجود الإيراني في سوريا يشكل تهديداً بالنسبة إلى إسرائيل التي تشعر بالقلق من وجود جسر بري يسيطر عليه الإيرانيون يمر من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان.

التصعيد لعبة خاسرة
ويحذر تقرير معهد "بروكينغز" من أن إيران قد رسخت مكانتها في سوريا ولديها قواعد عسكرية في البلاد وتقوم ببناء مصانع للأسلحة أيضاً، ويندمج الجيش الإيراني ووكلاؤه بصورة جيدة مع الجهود العسكرية التي يبذلها نظام الأسد الذي لا يزال غير قادر على الوقوف على قدميه رغم انتصاره التدريجي في الحرب الأهلية، ولذلك يعتمد على إيران ووكلائها. ومن ثم قامت إسرائيل في مايو(أيار) الماضي باستهداف خمسين مخزناً للأسلحة ومستودعات ومواقع استخباراتية وأهدافاً أخرى إيرانية داخل سوريا في أكبر عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق في سوريا منذ 1974، وهو ما يُعد تقريباً الهجوم الأكثر أهمية ضد الأهداف الإيرانية في التاريخ الإسرائيلي، إضافة إلى ضرب ميليشيات حزب الله ووكلاء إيران الذين كانوا يعملون بالقرب من الحدود الإسرائيلية.

وبحسب التقرير، فشلت طهران في محاولة التصدي لتلك الهجمات، ودمرت الطائرات الإسرائيلية منصة إطلاق الصواريخ بالقرب من دمشق عندما أطلقت القوات الإيرانية صواريخ من سوريا إلى مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل، وحتى تلك الصواريخ التي تم إطلاقها اعترضتها أنظمة الدفاع الإسرائيلي، ويبدو أن إيران وحزب الله يدركان جيداً الآن أن التصعيد لعبة خاسرة، وعلى سبيل المثال لم يتفاخر حزب الله بمساعدة نظام الأسد في الهجوم على درعا وقلل من عدد مقاتليه الذين شاركوا في الهجوم.

توتر بين إسرائيل وروسيا
ويصف التقرير روسيا بأنها تلعب دوراً حاسماً في سوريا باعتبارها الدولة الوحيدة التي لديها علاقات جيدة مع سوريا وإيران وإسرائيل. وحاولت حكومة نتانياهو الحفاظ على علاقات جيدة مع موسكو، وحضت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على كبح جماح إيران في سوريا. وفي الوقت الراهن، تحاول روسيا الضغط على إيران وإسرائيل للحد من الاشتباكات ولم تستخدم دفاعاتها الجوية للمساعدة في إسقاط الطائرات الإسرائيلية (حتى عندما ضربت إسرائيل مستودعات الأسلحة الإيرانية بالقرب من الوحدات العسكرية الروسية)، كما توسطت روسيا في صفقة إبقاء القوات الإيرانية على بعد 85 كيلومتراً من الحدود الإسرائيلية باستثناء دمشق.

بيد أن العلاقات بين روسيا وإسرائيل باتت متوترة بسبب إسقاط الجيش السوري عن طريق الخطأ طائرة روسية خلال غارة جوية إسرائيلية، وهو خطأ ألقت روسيا باللوم فيه على إسرائيل، وأسفر عن الإعلان عن صفقة منظومة صواريخ إس 300؛ الأمر الذي ينذر بعلاقة أكثر عدائية بين إسرائيل وموسكو.

ويشدد التقرير على أن التهديد الإيراني لا ينتهي؛ حيث أن روابط إيران بالحوثيين في اليمن تمكنها من استهداف سفن الشحن الإسرائيلية في البحر الأحمر، وعلاوة على ذلك فإن إيران وحزب الله يستخدمان الإرهاب الدولي في حالة العجز عن ضرب إسرائيل بشكل مباشر، ففي 2012 قصف حزب الله حافلة سياحية إسرائيلية في بلغاريا مما أسفر عن مقتل خمسة إسرائيليين وسائق الحافلة، رداً على اغتيال إسرائيل للعلماء النوويين الإيرانيين.

دق إسفين بين سوريا وإيران

ويقول تقرير معهد بروكينغز: "ستحتاج إسرائيل إلى ترسيخ وضع مستقر رادع في سوريا، وهذا يعني توضيح الخطوط الحمراء بالنسبة إلى جميع اللاعبين الفاعلين في سوريا، بما في ذلك إيران وروسيا، فضلاً عن الرد بقوة عند انتهاكها. وسيكون الهدف طويل الأمد هو دق إسفين بين سوريا وإيران، وإثبات أن سوريا ستدفع ثمن عدوانية إيران، ومن غير المرجح أن ينفصل الأسد عن إيران في الوقت الراهن، ولكن مع استعادة نفوذه على سوريا بمرور الوقت، ربما يسعى الأسد للحصول على الاستقلال من السيطرة الإيرانية".

ويختتم التقرير بأن واشنطن قد تحاول أيضاً تحقيق الاستقرار في سوريا وأن تكون مصدراً للاستقرار الإقليمي. ويحض الباحث الولايات المتحدة على دعم الخطوط الحمراء الإسرائيلية وإمداد إسرائيل بالأنظمة والتقنيات الدفاعية الصاروخية المتقدمة لمساعدة الأخيرة على حدودها مع لبنان وسوريا. ولكن بشكل عام، سيظل الوضع غير مستقر، حيث إن إدارة ترامب لن تتورط في المنطقة طالما أن إيران تختبر حدود إسرائيل، وربما يستغرق الأمر سنوات لظهور وضع مستقر رادع في سوريا.