الإعلامية في قناة الجزيرة غادة عويس.(أرشيف)
الإعلامية في قناة الجزيرة غادة عويس.(أرشيف)
الجمعة 9 نوفمبر 2018 / 19:12

الشبخ أم الإرهابي؟

لم تفترض الجزيرة من هذا المتابع القطري أن يستطيع تغيير جلده كما فعلت هي؟ لم تتوهم بأنه محترف بارع في التلون كالحرباء مثلها؟

منذ بداية القطيعة مع قطر، بت أتابع بكثير من الدهشة والسخرية نشاط مذيعي الجزيرة، فالأمر أشبه بالغوص في كواليس السيرك، ورؤية الأرانب الهلعة وهي تفكر في ما إذا كانت بعض وريقات الخس تعوّضها عن الانحشار في قبعة الساحر.  

وبطبيعة الحال، لم تفتني تغريدتي الإعلامية القديرة غادة عويس باللغتين العربية والإنجليزية –وكأنما فعلت ذلك إمعاناً في إحراج نفسها-، إذ نشرت صورة لأسامة بن لادن لتذكّر العالم بخبث ببلد مولده ونشأته.

بالطبع، العالم لم ينس.
وأنّى للعالم نسيان نبتة التطرف -والتي لم تُجتث بعد أصلاً- مع غزارة الردود المستنكرة لتغريدتي عويس؟ إذ رفضت جموع غفيرة من المسلمين "الوسطيين" وصفها لبن لادن بالإرهابي، وأصرت على تبجيله بصفته كان مجاهداً عظيماً.

وعلى غرار العالم العاجز عن النسيان، لم أستطع شخصياً التغافل عن الكمية اللافتة للردود المعاتبة لعويس، والقادمة من مغردين قطريين، وآخرين احتضنتهم الدولة الخليجية. لقد ترادف العلم الأبيض والعنابي مع الدفاع عن بن لادن مراراً وتكراراً أمام ناظريّ، حتى ظننت لبرهة أنه كان في الواقع قد وُلد في الوكرة، واشتهر لظهوره في إحدى أجزاء مسلسل "فايز التوش"!

بالطبع ياما حُذرت قطر من العواقب الوخيمة لاستعدادها لتبني الأسد المفترس للتطرف، وتربيته في فنائها، وتغذيته من خيرة ما في "ثلاجتها" البترولية، بقصد استخدامه ضد الآخرين، أو توظيف شروره بحسب مصالحها وأهوائها.

وليست قليلة هي الأحداث التي بدا فيها أن الأسد قد أفلت من قفصه للحظة، وشرع في مهاجمة مهرجي السيرك الذين ظنوا أنهم يحسنون التحكم به. ولا أجد مثالاً أبسط على ذلك من الصور التي فضحت إلصاق علم داعش بكل أريحية على سيارات المدنيين في قطر، وكأنما يمارس المرء منهم حريته البريئة في تشجيع ناديه المفضل.

إذاً ما يحدث في السيرك المُصغّر الفاشل الذي تديره غادة عويس على دراجتها ذات الإطار الواحد ليس بالمستغرب مطلقاً.
ولكن ما أستغربه حقاً هو تلك القناعة الضمنية التي تنطلق منها الجزيرة، والافتراضات التي تحملها حيال المتلقي القطري، ذلك الذي عرّضته قبل سواه لسنوات متواصلة من تلميع صورة بن لادن، والتفاني في إيصال رسائله إلى العالم، وإشهار تنظيمه، حتى أجزم بأن القطري شك لبرهة بأن كهوف أفغانستان التي يختبئ فيها بن لادن تتواجد على أطراف عاصمته الدوحة.

لم تفترض الجزيرة من هذا المتابع القطري أن يستطيع تغيير جلده كما فعلت هي؟ لم تتوهم بأنه محترف بارع في التلون كالحرباء مثلها؟ لم تعتقد بأنه سيضغط زراً على لوحة التحكّم بقناعاته ليتحوّل "الشيخ الجليل" –والذي كانت قد صُرفت الملايين من قادته في قطر لنقل بن لادن إليه بهذه الصورة- إلى "الإرهابي المجرم"؟

للأسف، يبدو أن المهرجين الذي يديرون السيرك خططوا لكل شيء، إلا احتمالية انقلاب أقرب الجماهير عليهم في حال غيّروا محتوى العرض.