الرئيس الفيليبيني رودريغو دوتيرتي.(أرشيف)
الرئيس الفيليبيني رودريغو دوتيرتي.(أرشيف)
الجمعة 4 يناير 2019 / 18:21

الحيطة الهبيطة

أصحاب اللحى –على الرغم من خصومتي الأزلية معهم- باتوا "الحيطة الهبيطة" التي يدق فيها بمعوله كل جبان يعجز عن مواجهة عيوبه ومثالبه وأخطائه وجرائمه، والمسؤولية الملقاة على عاتقه في سوء قراراته وأوضاعه

اعترف الرئيس الفيليبيني رودريغو دوتيرتي مؤخراً –وبأسلوب لا يخلو من الاستهزاء والاستخفاف- بأنه قام بالتحرش جنسياً بالعاملة المنزلية في مراهقته، وكرر فعلته أكثر من مرة.

وحين لم يعد الصدى بالضحكات من جانب الشعب، إذ أثارت حفيظته لغة الرئيس، ألمح دوتيرتي إلى أن المتسبب الفعلي في خطيئته البشعة هم قساوسة الكنيسة الكاثوليكية. أجل، فهم كانوا قد تحرشوا به قبل ذلك، وصنعوا وحشاً شهوانيا ًمن سيادته!

قرأت الخبر الصادم وأنا أستشعر بين أسطره حلاوة تلاشي القدسية المزيفة لرجال الدين أيا ما كانت ملتهم، وانحسار هيمنة المؤسسات الدينية في أي بقعة من بقاع الأرض.

ولكن ظل هناك الكثير من المرارة في فمي. فلن أتقبّل يوماً أن يصبح المطاوعة لدينا "حيطة هبيطة" على غرار تلك التي حاول دوتيرتي القفز عليها.
لأعد بكم إلى "حقبة المدفع الرشاش" من عمري، أي السنوات بين الـ19 والـ23، حين كنت أنتهج نبرة غاضبة عدائية ساخطة لا ترحم، لا سيما ضد المطاوعة. فمجرد انسكاب كوبي في "ستاربكس" كانت فرصة ذهبية لي لأنطلق في الوضعية التهجّمية. أولم يحرموا القهوة أصلاً؟

وشاءت الصدف أن تربطني آنذاك زمالة أخوية لطيفة بشاب توسّمت فيه الاعتدال والوسطية، وإن لم تُكتب له النجاة من مونولوجاتي. حتى عند سماع الموسيقى الهادئة في المصعد –مثلاً-.
  
"تخيّل أنّ المطاوعة يحرّمون هذا الجمال؟ تخيّل! تخيّل!"، أتساءل بحنق غير مبرر.

وفي كل مرة شكوت فيها منهم، ومن نشرهم للكراهية والإرهاب ومحاربة الفنون وتكذيب العلوم، كان يكافئني بأن يرد مستهجناً "الله يأخذهم"، وأنا بدوري كنت أختتم المونولوج بكلمة "آمين". فبدا أننا نتكلّم لغة مشتركة تسمو على التخلّف، لغة لا تلتقطها آذان العريفي والحويني والأسير والعجمي.
حتى قادتني الصدفة مشكورة إلى نقاش نسوي مع "مارتن لوثر الغفلة"، فإذ به يبرر بصريح العبارة أن يقتطع الرجل ما يشاء من حرية ابنته أو شقيقته ليرضي فهمه للعادات والتقاليد، وبأن عليها الامتثال.

ومنذ ذلك الحين، أخرجت الذخيرة من مدفعي الرشاش، وأصبح دعائي الوحيد هو، "الله يأخذنا. آمين".

إن أصحاب اللحى –على الرغم من خصومتي الأزلية معهم- باتوا "الحيطة الهبيطة" التي يدق فيها بمعوله كل جبان يعجز عن مواجهة عيوبه ومثالبه وأخطائه وجرائمه، والمسؤولية الملقاة على عاتقه في سوء قراراته وأوضاعه.

فهناك الرجعي الذي يشاركهم آراء لا تختلف كثيراً حول المرأة، بيد أنه يستعيض بكلمة "عيب" عن "حرام". والمنغلق الذي يضع قائمة بطول عنق الزرافة للتعايش مع الآخرين، وإن كان يتعذر بالذوق العام أو المجتمع المحافظ ليفرض قواعده. والببغاء المُقلّد الذي يعيب عليهم الحفظ والترديد، وهو يضع نفس الدرجة من القدسية غير القابلة للتشكيك لكتب نيل ديجراس تايسون، ويضرب بعرض الحائط ما سواها.
سيخلّصنا الله منهم باختلاف أديانهم ومللهم، ولكن لعلنا نتخلص من شياطيننا أولاً.