الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والصيني شي جين بينغ.(أرشيف)
الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والصيني شي جين بينغ.(أرشيف)
الأربعاء 9 يناير 2019 / 21:05

بداية جديدة بهموم قديمة

مادة الإعلام الأمريكي والغربي، المُفضَّلة، هي أن كيم جونغ أون، البدين، يأكل ويشرب بإفراط كميات كبيرة من الصلصة والنبيذ

بدأ عام 2019 بفيديو قصير بثه زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، والفيديو موجّه مباشرةً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومفاده أن كوريا الشمالية لن تنتظر طويلاً لإلغاء العقوبات الأمريكية التي وُعدتْ بيونغ يانغ بشطبها، وأن هناك مساراً آخر على جدول أعمالها، ويُفهم من هذا المسار، أنه الحرب التي تهدد بها بيونغ يانغ كلاً من كوريا الجنوبية واليابان. إن كوريا الشمالية ترحب بنزع السلاح النووي إذا فعلتْ الولايات المتحدة الأمريكية بالمثل.

طلب زعيم كوريا الشمالية، بنزع السلاح النووي، وبشكل متزامن، بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية، هو طلبٌ وقح، طلبٌ رومانسي، يصل إلى حد الطفولية السياسية، لكن من جانب آخر، هناك الحرب التجارية بين الصين وأمريكا، وكيم حليف للصين التي من مصلحتها أن تُظهر فشل دونالد ترامب في محادثاته مع الزعيم الكوري الشمالي في سنغافورة، وكأنَّ إظهار فشل ترامب موجَّه للداخل الأمريكي، موجَّه للديمقراطيين الذين يُفضلون أكل الطُعم الصيني، طُعم العدو، على الاتفاق مرة مع دونالد ترامب.

اهتمتْ شبكة سي أن أن بخطاب كيم، لكنها لم تذع الفيديو، واكتفتْ بمادة تسجيلية لكيم مع ترامب، وتعليق إخباري، ولقطات عسكرية لصواريخ كوريا الشمالية، وتلميح ساخر من أن مُقابَلَة الرجلين في سنغافورة، لم تأتِ بجديد، فما زال الزعيم الكوري الشمالي غير قابل للترويض، وهو يُمثِّل إحراجاً كبيراً لأمريكا أمام حليفتيها، كوريا الجنوبية واليابان، المفروض عليهما ببند الحماية الأمريكية، منذ الحرب العالمية الثانية، قيود تطوير سلاحيهما.

هل شعرتْ سي أن أن بإهانة أمريكا، لو أنها أذاعتْ نص خطاب كيم ، بالصوت والصورة، على الرغم من زمنه القصير، في تقريرها الصحفي؟ صحيفة غارديان ربما دون قصد، أوردت نص خطاب كيم جونغ أون، بالصوت والصورة، لكنها اختصرتْ لقطات استعراضية أثناء نزول كيم من على سلالم قلعة حزبه، أو قصره المنيف. فكَّرتْ سي أن أن، بأن حماقة الديكتاتور الكوري الشمالي، لا تستحق منها سوى البرود والتعالي.

مادة الإعلام الأمريكي والغربي، المُفضَّلة، هي أن كيم جونغ أون، البدين، يأكل ويشرب بإفراط كميات كبيرة من الصلصة والنبيذ. الشعب الكوري الشمالي لا يحتفل بعيد ميلاد كيم، على عكس والده الراحل، الزعيم كيم جونغ إيل، الذي كان عيد ميلاده مُنَاسَبَة احتفال وطني. مات الوالد بأزمة قلبية مُفاجئة في 2011، على الأرجح بسبب الطعام أيضاً. هوليوود تُحضِّر فليماً آخر عن الديكتاتور كيم جونغ أون. متى سيُسمح لنا بمراقَبَة المنشآت النووية في كوريا الشمالية؟ بالتأكيد هناك مواقع سرية حتى لو سمحوا لنا بمعاينة بعض المواقع.

قال الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال اجتماع له مع كبار القادة العسكريين إن على القوات المسلحة تعزيز قدراتها لمواجهة الطوارئ، وبذل كل ما يمكن استعداداً للمعارك. ورداً على كلمات شي جين بينغ، خرجتْ رئيسة تايوان، تساي اينغ وين، تُطالب حلفاءها بحماية جزيرة تايوان من اعتداء الصين، التي تدعي أن جزيرة تايوان أرضاً صينية، وأُخِذَتْ بغير وجه حق في الحرب الأهلية الصينية 1949، ولن تتخلى الصين عنها حتى لو اضطرت لاستخدام القوة العسكرية.

نداء رئيسة تايوان للحلفاء، يعني بالدرجة الأولى، الحليف الأكبر، وهي أمريكا، المشغولة بإغلاق حكومي أَجْلَس 800 ألف من الموظفين الفيدراليين في بيوتهم، وبحرب تجارية مع الصين، لكنها قد تتردد في خوض حرب حقيقية مع الصين حمايةً لتايوان، خوفاً من الاسم الذي سيُطلق على تلك الحرب، الاسم سيكون دون مُوَارَبَة "حرباً عالمية ثالثة". لا الصين تريد حرباً عالمية ثالثة، ولا أمريكا، لكن تايوان الصغيرة لا تخشى، مثل أوكرانيا، من حرب عالمية ثالثة، تُخَاضُ على شرفها.

أمّا حلفاء الغرب، فهم مُستدعون، في نداء رئيسة تايوان، من الدرجة الثانية. فرنسا ماكرون، بعد زهو عُرْف الديك، وإعلان الرغبة في تكوين جيش أوروبي موحد، على غرار الناتو، انكسرتْ فجأةً بمطالب "السترات الصفراء"، وألمانيا الجريحة بأفول مرأتها الحديدية، أنغيلا ميركل، وبريطانيا العالقة في فوضى "البريكسيت".

تبقى مُحَاوَلات استعادة القوة، قائمةً على قدم وساق، وتفوز بريطانيا العظمى، سابقاً، بأكثر المُحَاوَلات إثارة للسخرية. ففي مُقابَلَة لصحيفة "صنداي تلغراف" تطرق وزير الدفاع البريطاني، غافين وليامسون، في حكومة تيريزا ماي الضعيفة، إلى أفكار الجيش البريطاني بعد "بريكسيت"، وقال إن لحظة بريطانيا العظمى، منذ الحرب العالمية الثانية، قد حانتْ، لتلعب دوراً حقيقياً.

قال أيضاً وزير الدفاع البريطاني: سنعود إلى سنغافورة وبروناي بقواعد عسكرية، سنعود إلى جنوب شرق آسيا، وكلاهما في بحر الصين الجنوبي. نلاحظ أن وزير الدفاع قفز ببؤس على "بريكسيت"، وكأنها عقبة صغيرة في طريق استعادة المجد الغابر للإمبراطورية المشمسة 24 ساعة، بينما واقع "البريكسيت" الحاضر يقول إن بريطانيا لا تعرف هل ستبقى في الاتحاد الأوروبي أم ستخرج منه، وماذا سيكون وضعها في عدم اليقين الاقتصادي، وسياسة حافة الهاوية، وإنذارات وتهديدات تيريزا ماي لمجلس العموم البريطاني، بأن وضع المملكة المتحدة خطير. فكيف تتطلع بريطانيا في ظل تلك الظروف إلى دور عسكري خارج أراضيها؟

أفاد تقرير لرئيسة الوزراء تيريزا ماي في يونيو (حزيران) 2018، أنها تشكك في وضع المملكة المتحدة كقوة عسكرية من الدرجة الأولى، لكنها عندما سُئلت بشكل مباشر، خافتْ من تكرار صراحتها، وقالت إنها تريد فقط لبريطانيا أن تكون رائدة في مجال الدفاع. وبعد ذلك بفترة قصيرة، قال وزير الدفاع غافين وليامسون، وكأنه يرد باستنكار على رئيسة الوزراء، في حوار مع مركز للأبحاث في واشنطن: بريطانيا لاعب عالمي كبير، وكنا دائماً قوة عسكرية من الدرجة الأولى، وسنظل كذلك .