الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو (أرشيف)
الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو (أرشيف)
الأربعاء 6 فبراير 2019 / 17:15

الشعبويّة في معاركها الأمميّة

القوى الشعبويّة الأبرز في عالمنا تخوض معاركها على نطاق أمميّ، وفنزويلاّ اليوم هي أهمّ تلك المعارك

تتّفق اليوم روسيا والصين وإيران وتركيّا على دعم الرئيس الفنزويلّيّ نيكولاس مادورو، وعلى الحديث عن "مؤامرة أمريكيّة" لإطاحة نظامه. بالطبع فإنّ الطبقات الكلاميّة لهذه الأطراف متفاوتة في حدّتها وتعبيريّتها: إيران وتركيّا تحتفظان بالصوت الأعلى في التنديد، تليهما روسيا، ثمّ الصين التي يأتي موقفها أقرب إلى تسجيل المراقبين وجهة نظر باردة.

على رغم هذا التفاوت، يجمع بين الدول الأربع المذكورة قيامها على أنظمة شعبويّة، تُلخَّص فيها السلطات، أو تكاد، إلى سلطة واحدة يمسك بها الحاكم – الزعيم. كذلك يطغى على تناولها للوضع الفنزويلّيّ تجاهل العوامل الداخليّة برمّتها (الفقر المدقع، النزوح السكّانيّ الكثيف، سحق المعارضة، التزوير الانتخابيّ إلخ...)، وقبل كلّ شيء تجاهل إرادة السكّان الفنزويلّيّين أنفسهم. العنصر الأوحد الذي يهيمن على هذا التناول هو موقف الولايات المتّحدة من مادورو، وبالتالي موقفه هو منها.

ومن نافلة القول إنّ دول أوروبا والأمريكتين التي أيّدت رئيس البرلمان خوان غوايدو بريئة من تهمة الشعبويّة. فالولايات المتّحدة نفسها، وهي التي تتزعّم الدعوة إلى إزاحة الرئيس مادورو، محكومة اليوم بشعبويّة دونالد ترامب التي بتنا نملك مكتبة كاملة في وصفها وتحليلها. الشيء نفسه يصحّ على أنظمة كالنمسويّ والبرازيليّ المسكونة بشعبويّة ما.

مع هذا، يبقى هناك فارقان كبيران لا يجوز القفز فوقهما: الأوّل، أنّ شعبويّة الدول المؤيّدة لغوايدو، لا سيّما الولايات المتّحدة، لم يتأدّ عنها توحيد السلطات في حاكم زعيم، بل إنّ ترامب نفسه يواجه معارضة بعد أخرى، ونقداً بعد آخر، من رموز في السياسة والقضاء والإعلام في بلده. وفي ظلّ انضمام حكومات مؤثّرة كألمانيا وفرنسا وبريطانيا وكندا، التي لا شائبة على ديمقراطيّتها، إلى تأييد غوايدو، تتجمّع القوى الديمقراطيّة في الكفّة التي توازن الكفّة الروسيّة – الصينيّة – التركيّة – الإيرانيّة.

أمّا الفارق الثاني فأنّ مؤيّدي رئيس البرلمان السابق يشرطون تأييدهم له بدعوته إلى إجراء انتخابات نزيهة وشفّافة حال تسلّمه السلطة. معنى ذلك أنّ موضع التركيز هنا ليس العلاقات الخارجيّة للنظام أو التأويل الإيديولوجيّ له، وهو بالطبع خلافيّ، بل سلوكه داخل بلده وموقف شعبه من هذا السلوك مُعبَّراً عنه بالانتخابات النيابيّة وبالمؤسّسات الدستوريّة كما تنبثق منها.

لا يفوتنا هنا التذكير بما سبق أن شهدناه في سوريّا، حيث توافقت روسيّا والصين وإيران على موقف واحد داعم للنظام، ولو بتفاوت في درجة الدعم. ثمّ ما لبثت تركيّا أن توافقت مع الرؤية الروسيّة – الإيرانيّة للنزاع. وكما نعلم، حصل هذا بعد تذليل أنقرة إشكالها مع موسكو إثر إسقاط الطائرة الروسيّة، ما مهّد لتدوير زوايا معارضتها لنظام الأسد. وكما في فنزويلاّ، طغت في سوريّا لغة تركّز على "المؤامرة" وتتجاهل المصادر الداخليّة للنزاع.

تقود تلك المقارنات إلى استنتاجين يكمّل واحدهما الآخر: الأوّل، أنّ القوى الشعبويّة الأبرز في عالمنا تخوض معاركها على نطاق أمميّ، وفنزويلاّ اليوم هي أهمّ تلك المعارك. هذا قد يكون التتويج المنطقيّ لجهود بدأت قبل عامين ونيّف لتوحيد اليمين الشعبويّ، لا سيّما منه الأوروبيّ، وبلورة نوع من التصوّرات النظريّة والسياسيّة المشتركة بين أطرافه العابرة للحدود الوطنيّة. أمّا الاستنتاج الثاني فمفاده أنّ الصراع ضدّ مادورو، إذا ما طرحنا التفاصيل جانباً، صراعٌ لأجل الديمقراطيّة. إنّ صالح الشعب الفنزويلّيّ يكمن هنا، كما أنّ جزءاً من مستقبل العالم يكمن هنا أيضاً.