السبت 9 فبراير 2019 / 22:18

مدى تهديد إيران لمضيق هرمز

هناك تهديدات إيرانية متكررة بإغلاق مضيق باب هرمز الذي يصل الخليج العربي ببحر العرب ومنه إلى المحيط الهندي، ويمر منه نحو أربعين في المئة من الإنتاج العالمي للنفط.

فحين أُطلقت تصريحات أمريكية بجعل صادرات إيران من النفط صفراً، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني: "لا أحد في منطقة الخليج سيصدر نفطه إن مُنعت إيران من ذلك، وإذا كنتم تستطيعون وقف صادراتنا النفطية فافعلوا وسترون نتيجة ذلك. وحين سُئل عما إذا كانت التعليقات تمثل تهديداً بالتدخل في شحنات الدول المجاورة، أجاب: "افتراض أن إيران ستُصبح المنتج الوحيد غير القادر على تصدير نفطه افتراض خاطئ.. الولايات المتحدة لن تستطيع أبداً قطع إيرادات إيران من النفط".

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وجدنا تهديدا من قبل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بتطبيق إجراءات تعرقل صادرات النفط الإقليمية إذا حظرت الولايات المتحدة مبيعات بلاده من النفط، كما أيده قائد آخر بالحرس الثوري قائلاً: "إيران لن تسمح بمرور أي شحنة نفط في مضيق هرمز إذا كانوا يريدون وقف صادرات النفط الإيراني".

وسبق لإيران أن أطلقت التهديد نفسه مرات عدة من قبل، ففي عام 2006 قال المرشد الاعلى للثورة الإيرانية، إن عمليات شحن الطاقة سوف تواجه خطراً إذا أقدم الأمريكيون على خطوة خاطئة تجاه إيران، وأن واشنطن لن يكون بوسعها حماية إمدادات الطاقة في المنطقة. وفي عام 2011 كرر نائب الرئيس الإيراني التهديد نفسه قائلاً: "إذا فرضت الدول الغربية عقوبات على النفط الإيراني، فلن تسمح إيران بقطرة نفط واحدة أن تعبر مضيق هرمز". وفي عام 2012 جاء التهديد نفسه على لسان قائد القوات البحرية الإيرانية حين وصف إغلاق إيران مضيق هرمز أمام ناقلات النفط بأنه سيكون أسهل من شربة ماء. وفي العام نفسه وافق البرلمان الإيراني على مشروع قانون يدعو الحكومة الإيرانية إلى منع مرور شحنات النفط الخام من مضيق هرمز إلى الدول التي تدعم العقوبات المفروضة على إيران.

ورغم أن حركة الملاحة في المضيق مصانة بالقانون الدولي للملاحة، وباستعداد الدول الكبرى الدائم لمنع إيران من الإقدام على هذه الخطوة، فلا يوجد ما يمنع إيران من تنفيذ تهديدها بالفعل إذا وقعت حرب في المنطقة، عبر تلغيم المياه أو إطلاق صواريخ محدودوة المدى والقدرة التدميرية على السفن العابرة. وهنا يقول ميشيل سينج وهو أحد الخبراء الاستراتيجيين الأمريكيين المرموقين:

"إدراكاً منها لعدم قدرة إيران وعدم احتمالية أن تحاول إغلاق المضيق، تستطيع الولايات المتحدة ببساطة الجلوس وهي واثقة من قوتها الفائقة. وسوف يكون هذا خطأ. إن الخطر الحقيقي في الخليج هو في النشاط منخفض المستوى من جانب إيران لمضايقة حركة الشحن ومواجهة البحرية الأمريكية. فالقادة الإيرانيون في المنطقة يزدادون وقاحة. وفي حالة عدم ردعهم، فإن إحساس إيران بالحصانة – ناهيك عن تقدمها النووي – قد يكون الشرارة التي تشعل الصراع في المنطقة. لقد استثمرت البحرية الإيرانية – لا سيما الذراع البحري لـ "الحرس الثوري" الإيراني – في المراكب والأسلحة الملائمة تماماً للحرب غير المتماثلة، بدلاً من الصراع بين السفن الذي من المؤكد أن تخسره إيران. ولذا اشترت إيران، بمساعدة من الصين وروسيا، ألغاماً متطورة وغواصات صغيرة وصواريخ كروز متحركة مقاومة للسفن وأسطولاً صغيراً ومراكب سريعة. وبالإضافة إلى ذلك ذكرت التقارير أنها طورت أدوات حربية بحرية خاصة، أو ما يطلق عليه رجال الضفادع".

وربما يكون رأي الدكتور هادي أفقهي، الدبلوماسي الإيراني والخبير في شؤون الشرق الأوسط جدير بالنظر حيث يقول: "عملياً سهل جداً إغلاق مضيق هرمز، لكن الصعوبة تكمن في اتخاذ القرار، إذ يجب أن يكون هناك مبرر قوي لهذه الخطوة ... إيران ستقدم على خطوة إغلاق مضيق هرمز حال استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية لمنع صادرات النفط الإيراني".

وحتى لو وقعت الحرب، فإن إيران تبقى غير قادرة على غلق المضيق مدة طويلة، نظراً لتفاوت ميزان القوى العسكرية بينها وبين الدول الكبرى المستوردة للنفط، علاوة على الإمكانيات العسكرية التي أصبحت بعض الدول الخليجية العربية تمتلكها، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وهاتان الدولتان، وفق معهد استكهولم، من بين أعلى خمس عشرة دولة في العالم من حيث الإنفاق العسكري، في حين تغيب إيران عن هذه القائمة بسبب ضآلة إنفاقها العسكري حيث تقدر، يجعل المملكة العربية السعودية متفوقة عليها بنحو 4.5 ضعفاً والإمارات بنحو 1.3 ضعفاً. أما المعهد البريطاني للدراسات الاستراتيجية (IISS) فيقدر تفوق حجم الإنفاق العسكري الخليجي بنحو 3.25 ضعفاً بالمقارنة مع الإنفاق الإيراني.

 وتظهر نتيجة المفارقة في الإنفاق العسكري بين دول الخليج العربية وإيران على نمط التسلح ونوعيته، فقد حصلت دول مجلس التعاون على أحدث الأسلحة في العالم بينما لم تحصل إيران على أية منظومات أسلحة حديثة منذ عام 1980، خاصة وأن روسيا والصين لا تزالان تمتنعان عن تزويد إيران بمنظومات صواريخ S300 و S400 حتى الآن. وتشير تقديرات الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى أن مجموع ما أنفقته إيران على الأسلحة المتطورة لم يتجاوز 300 مليون دولار خلال الفترة (2008-2011)، وذلك بالمقارنة مع دول مجلس التعاون التي بلغ مجموع ما أنفقته على شراء الأسلحة المتطورة في نفس الفترة نحو 75.6 مليار دولار، أي بنحو 250 ضعفاً.

وفي العموم، فإنه إذا أقدمت إيران على تنفيذ تهديدها دون أن تكون الحرب ضدها قد وقعت بالفعل فمعنى هذا أنها هي التي تكون قد أعلنت قيام الحرب، إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية ستعتبر هذه الخطوة بمثابة إعلان حرب فعليا، وستتدخل بالقطع لضمان استمرار تدفق النفط الخليجي إلى العالم.

لكن إيران، التي اعتادت توظيف أذرعها في تحقيق أهدافها، قد لا تغلق مضيق هرمز، إنما تدفع الحوثيين الموالين لها في اليمن إلى مهاجمة ناقلات النفط العملاقة، مثلما حدث مع ناقلتي نفط تابعتين للشركة الوطنية السعودية للنقل البحرى (البحرى)، تحمل كل منهما مليونى برميل من النفط الخام أثناء مرورهما بمضيق باب المندب في 25 يوليو 2018. بينما كانت قوات التحالف، حسب تأكيدها، قد أحبطت هجمات سابقة على شاحنات نفط عملاقة في شهري إبريل ومايو من العام نفسه، في المضيق الذي يمر به نحو 3.5 مليون برميل نفط يومياً، ما يعطي حجية للمبرر الذي تسوقه بأن أحد أسباب التدخل في اليمن لمواجهة الحوثي هو حماية مسارات الشحن البحري، حيث يمر نفط الخليج إلى أوروبا عبر قناة السويس. وهو أمر انعكس بجلاء في الإدانات العربية والدولية لتصرف الحوثيين المخالف للقانون الدولي.