المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ونائب الرئيس الأمريكي مايك بنس (أرشيف)
المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ونائب الرئيس الأمريكي مايك بنس (أرشيف)
الأربعاء 20 فبراير 2019 / 20:09

ميركل إذ تشرح موقف أوروبا

إن أوروبا -بالصورة التي عرضتها ميركل- مكروهة من قبل الإدارة الأمريكية، وهو موقف يجد جذوره في خلافات سابقة، لا سيما منها إبان حرب العراق في 2003

المؤتمر الأخير الذي شهدته مدينة ميونيخ الألمانيّة، وكان موضوعه الأمن، شهد سجالاً حاداً بين اثنين: مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكيّ، وأنغيلا ميركل، مستشارة ألمانيا.

السجال، الذي تطرّق إلى موضوعات خلافيّة عدّة، يضيء على طريقتين في التفكير والنظر إلى الأمور.

ميركل، التي مثّلت وجهة النظر الأوروبيّة، حذّرت من عواقب انسحاب القوّات الأمريكيّة من سوريّا، وتساءلت: "هل هي فكرة جيّدة للأمريكيّين أن ينسحبوا فجأة، وبسرعة، من سوريّا؟، ألن يعزّز ذلك قدرة روسيا وإيران على ممارسة نفوذهما؟".

فالمسألة، إذاً، في نظر المستشارة الألمانيّة، ليست من قبيل "التواطؤ" الأوروبي مع روسيا وإيران، كما يتّهمهم بعض الأمريكيّين. إنّها، وفق الأوروبيّين على الأقلّ، بحث عن الطريقة الأفضل لكبح جماح روسيا وإيران والحدّ من توسّع نفوذهما. النظرة هذه تميل إلى الجمع بين الصلابة المبدئيّة استراتيجيّاً (عدم الانسحاب أمامهما) وبين تغليب "القوّة الناعمة" وتجنّب المواجهات العسكريّة.

 من هذا الموقع رأينا الأوروبيّين يتصرّفون حيال فنزويلاّ: من جهة، يساهمون في نزع الشرعيّة عن حكم مادورو، معترفين بخصومه في المعارضة البرلمانيّة، ومن جهة أخرى، يحذّرون، بلسان الاتّحاد الأوروبيّ، من عواقب تصعيد عسكريّ. هكذا تحدّثت وزيرة خارجيّة الاتّحاد فيديريكا موغيريني عن "استبعاد أوروبيّ قاطع" لدعم أيّ تصعيد، فيما أعلن وزير خارجيّة إسبانيا، جوزيب بوريل، عن "قلقه" حيال معلومات تحدّثت عن "انتشار جنود أمريكيّين على الحدود الكولومبيّة – الفنزويليّة".

والحال أنّ تجنّب العنف يبقى موضوعة أوروبيّة راسخة وثابتة، يردّها بعض المحلّلين إلى عوامل كثيرة في عدادها التاريخ: ذاك أنّ حربين عالميّتين انطلقتا من تلك القارّة، فضلاً عن أنّها كانت المسرح الأبرز للحرب الباردة. وهذا أيضاً ما يفسّر الموقف من الجارة الروسيّة.

 فأوروبا هي التي تتلقّى التأثيرات السلبيّة المباشرة لسياسات فلاديمير بوتين، مثلما كانت بالأمس تتلقّى التاثيرات المباشرة للسياسات السوفياتيّة. هذا ما يتّضح في أوكرانيا، كما في سوريّا، حيث رتّبت سياسات دعم الأسد إطالة للحرب الأهليّة وتوسيعاً للهجرة المتّجهة شمالاً. لكنّ أوروبا تصرّ على العلاقات "الناعمة" مع موسكو، أكانت تجاريّة أو ثقافيّة أو سوى ذلك. بل هي تراهن على أنّ لتلك العلاقات تأثيراً إيجابيّاً قد يحدّ من عدوانيّة الكرملين وجموحه. هكذا رأينا ميركل، في المؤتمر نفسه، تدافع عن مشروع "نورد ستريم 2"، معتبرةً أنّه "إذا كنّا خلال الحرب الباردة استوردنا كميّات ضخمة من الغاز الروسيّ، لا أعلم لماذا يُعتبَر الوقت الآن أسوأ كثيراً بما يمنع أن تكون روسيا شريكاً". وهي اندفعت خطوة أبعد إذ سألت: "هل نريد أن نجعل روسيا تعتمد على الصين فقط؟ هل تلك هي مصلحتنا الأوروبيّة؟ (...) إن أوروبا لا يمكن أن تكون لها مصلحة في قطع كلّ علاقاتها مع روسيا من الناحية الجيواستراتيجيّة".

فأوروبا هذه -كما عرضت موقفها ميركل- مكروهة من قبل الإدارة الأمريكيّة. وهي موقف يجد جذوره في خلافات سابقة، لا سيّما منها إبّان حرب العراق في 2003. يومذاك، وفي مواجهة المعارضة الفرنسيّة – الألمانيّة للحرب، سكّ وزير الدفاع دونالد رمسفيلد تعبير "أوروبا القديمة"، فيما احتفظ لبلدان أوروبا الوسطى والشرقيّة بوصف "أوروبا الجديدة". وقمّة وارسو الأخيرة تقول إنّ هذه النظرة في واشنطن لا تزال قائمة.

في المقابل، يخشى الأوروبيّون وجود نظرة أمريكيّة تعاكس تماماً نظرتهم، تجتمع فيها الرخاوة الاستراتيجيّة (الانسحاب من سوريّا) والتصعيد الكلاميّ الذي قد يوصل أحياناً إلى حافّة الهاوية.
المؤكّد أنّ سجال النظرتين سوف يهيمن على مرحلة يصعب التكهّن بنهايتها.