من تظاهرات غزة.(أرشيف)
من تظاهرات غزة.(أرشيف)
الخميس 21 مارس 2019 / 20:28

السطر في بيان حماس

"سطر حماس" المقصود به الاعتذار يتحول بعد ثلاث جمل إلى ديباجة اتهام طويلة تشمل كل شيء تقريباً في غزة ورام الله، وتضع فكرة "الحراك" نفسها وشعاراته وخروج الناس للمطالبة بتخفيف الضرائب الغريبة في صلب هذه المؤامرة

هناك سطر في البيان الطويل الذي اضطرت حماس لإصداره إثر حملات الإدانة غير المسبوقة التي تدفقت من كل مكان لسلوك أجهزتها الأمنية الصادم في مواجهة "حراك غزة"، الحراك الذي اتضحت عفويته، رغم كل محاولات القفز عليه، عفوية يلخصها شعار "بدنا نعيش" البسيط المباشر الذي يتعلق بالعيش، "العيش" الذي يتضمن توفر العمل والغذاء والدواء والكرامة الشخصية.

هناك سطر يبدي الأسف على الضرر في حالة حدوثه، ويتضمن إيعازاً للأجهزة الأمنية بالتحقيق في الأمر وإعادة الحقوق إلى أصحابها!
 
قبل أن يواصل "البيان" في الفقرة اللاحقة والفقرات التي تليها الحديث عن "المؤامرة" التي تم التخطيط لها من قبل "سلطة أوسلو" وأجهزة رام الله ومخابراتها وإعلامها... إلى آخر الموشح المعروف والمضجر، الذي يستهدف "المقاومة" وبرنامجها، المقصود بالمقاومة هنا "حماس" وإدارتها وأجهزتها الأمنية التي تواصل عملية إذلال متوحشة لشباب الحراك وكل ما هو خارج إطارها وأنصارها.

"سطر حماس" المقصود به الاعتذار يتحول بعد ثلاث جمل إلى ديباجة اتهام طويلة تشمل كل شيء تقريباً في غزة ورام الله، وتضع فكرة "الحراك" نفسها وشعاراته وخروج الناس للمطالبة بتخفيف الضرائب الغريبة التي تثقل بها كاهل المحاصرين في غزة، في صلب هذه المؤامرة، بحيث يتحول الضرر، الذي حدث فعلاً، إلى عمل من أعمال "المقاومة" وانتصاراً جديدا تضيفه لانتصاراتها على "الأعداء"، بحيث تحول البيان نفسه إلى "اعلان انتصار" رباني على الحراك.

عندما تتحول "المقاومة" إلى سبب للموت المجاني في الشارع، والفقر والعوز على مائدة العائلة، والقهر في الحياة العامة، عندما تصبح عملية ابتزاز مكلفة لحاضنتها، تخرج تماماً من مرجعياتها في المخيلة الشعبية لتصبح شيئاً آخر لا يساوي كمية القهر والمعاناة التي يتسبب بها لهذه الحاضنة.

هذا ما حدث في غزة خلال 12 عاماً من حكم حماس، وعبر تحول فكرة مقاومة الاحتلال برومانسيتها وجاذبيتها الوطنية ورموزها، إلى سلطة قاسية تمتلك أجهزة أمنية وهراوات وقوانين خاصة بها وعقيدة فصائلية ضيقة. كان الناس يراقبون كيف تحولت هذه النسخة من المقاومة، النسخة الخاصة بجماعة الإخوان، إلى سلطة قمعية وإدارة فاسدة، وكيف تحطمت رموزها وتبدلت صورها ونبرة القائمين عليها وأزيائهم وتنامي ثرواتهم وفساد أولادهم، بالضبط كيف يتحول الحلم إلى كابوس.

ضد هذه السلطة التي تقنعت بـ"المقاومة" وضد هذه الإدارة الفاسدة خرج الناس في غزة، وهم يحملون في مخيلتهم تعريفاً مختلفاً ل"المقاومة"، التعريف الذي احتفظوا به وتناقلوه وصدقوه، الذي لا يشبه هذه النسخة الرديئة التي تطاردهم في الشوارع وتحطم بيوتهم وتكسر عظامهم وتفرض عليهم ضرائب جنونية وتتدخل في كل زاوية من زوايا حياتهم من منهج الدراسة إلى شكل ملابسهم وألوانها.

ورغم ذلك كل ما حصلوا عليه كان سطراً من اعتذار غامض ومشوش أقرب إلى التشكيك في روايتهم، ثم اتهام طويل بالخيانة والتآمر على "المقاومة"، فحديث عن انتصار الجماعة على "المؤامرة"، يليه ديباجة أخرى من "مديح الذات".

حماس تعرف أن الأمور أصبحت مختلفة الآن، وأن معادلة "القداسة" و"الرعب" التي خدمتها طويلاً لم تعد تعمل بتلك الكفاءة وأنها تتفكك. حتى محاولات الإلهاء البلاغية من "مسيرات العودة" إلى "الإرباك الليلي" إلى "صواريخ تل أبيب" المكشوفة، حتى مباركة "العمليات" وتدبيج مسيرات الاحتفال وتوزيع الحلوى بعملية سلفيت وغيرها في الضفة، لم تعد صالحة للاستخدام.
يعرفون في حماس ولكنهم لا يتعلمون.