رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
الخميس 30 مايو 2019 / 23:42

لم يكن ضمن "الخطة"

ثمة طموح لا يخفيه "ليبرمان" في الحصول على رئاسة الوزراء، طموح تغذيه رغبة متجددة في الانتقام من "نتانياهو"، تصفية حسابات متراكمة وقديمة

الطرفة التي أطلقها النائب الفلسطيني في الكنيست الاسرائيلي "أيمن عودة" حول توجه "نتانياهو" له لإنقاذه ومساعدته في تشكيل الحكومة، ووعوده بـ"انهاء الاحتلال" و"إلغاء قانون القومية" و"وقف الاستيطان" ...، لا يبدو مبالغاً بها.

الرجل بذل كل شيء واستنفد مهاراته كاملة للبقاء على كرسي رئاسة الوزراء، أطلق غيمة من الوعود والرشاوى على الجميع، أصغى بخشوع لحاخامات المستوطنين، أخرج جنوداً ومستوطنين قتلوا فلسطينيين من الحجز وأغلق ملفات قتل العائلات في القرى الفلسطينية، قصف سوريا من جديد، هدد لبنان، اكتشف أنفاقاً لا وجود لها، حجز أموال الضرائب الفلسطينية، أرسل الجيش من جديد الى سياج غزة، وافق على بناء آلاف الشقق الاستيطانية في القدس، وعد بتجريف الخان الأحمر ودفع عشرات الجنود نحو ساحات المسجد الأقصى، تحدث بإسهاب عن اختراقات وتحالفات عربية... باختصار فتح الصندوق كاملاً.

في الكواليس تذلّل لـ "أفيغدور ليبرمان"، صاحب المقاعد الخمسة حتى الدقيقة الأخيرة من المهلة، حاول أن يزحزح "شاس" قليلاً، حتى أنه في لحظة يأس مد ذراعيه الاثنتين الى "غانتس" غريمه الذي اتهمه باليسارية على رؤوس الأشهاد، وفي اللحظة التي تسبق الغرق قدم لـ "غباي"، زعيم حزب العمل وصاحب ستة مقاعد، أربعة حقائب وزارية بما فيها وزارة الدفاع. حزب العمل المحطم الذي فقد أطرافه في الانتخابات الأخيرة رفض الصعود الى سفينة "نتانياهو"، رغم إغراء الصفقة وتردد "غباي"، ولكنه كان يعلم أن مجرد القبول يعني نهاية "الحزب" وانشقاق المقاعد الستة التي حصل عليها بصعوبة.
في النهاية اتضح أن لا أحد يرغب في الغرق إلى جانب "بيبي".

كل ما يحتاجه هو بضعة أسابيع يستطيع خلالها محاولة ترميم الائتلاف والأهم أن يمرر "قانون الحصانة" الذي سينقذه من الملاحقات القانونية، الأمر يبدو سخيفاً تماماً، مضحكاً إلى حد ما، ليبرمان نفسه ذو اللكنة الروسية الذي جرى التنكيل به خلال توليه وزارة الدفاع، حيث ألقي من النافذة هو وحزبه "إسرائيل بيتنا" دون رحمة، عاد من "نافذة الحمام" وجلس في الصالة مع خمسة مقاعد حاسمة، بينما الثنائي "بينيت شاكيد" يجلسان بيأس على مقاعد الجمهور بعد أن فشل حزبهما الجديد المنشق عن حزبهما السابق باجتياز نسبة الحسم. هنا يكمن الخلل الذي تسبب في كل هذا، فبدل أن يحصل على "الثنائي"، كما اقتضت الخطة، حصل على ليبرمان، الذي ينفث غضبه في وجهه الآن.

ثمة طموح لا يخفيه ليبرمان في الحصول على رئاسة الوزراء، طموح تغذيه رغبة متجددة في الانتقام من نتانياهو، تصفية حسابات متراكمة وقديمة، الأمر بالنسبة له يتجاوز قانون الخدمة العسكرية لطلاب المدارس الدينية، سيكون هذا ضرورياً كجزء من الحملة الانتخابية التي بدأت بالفعل، ولكن الأهم هو توجيه ضربة لزعامة نتانياهو، ضربة تلقيه على أرض الحلبة بعيداً عن الحبال وفي متناول "المحكمة العليا"، وهذا بالضبط ما فعله "ليبرمان".

لم يكن هذا أيضاً ضمن خطة "كوشنر"، كان على الأمور أن تسير باتجاه آخر تماماً، حكومة يمينية متطرفة في اسرائيل يرأسها شعبوي متطرف ويسيطر عليها المستوطنون، شيء من الفاشية الملائمة لأفكار كوشنر وفريقه الذي اختاره بدقة، غرينبلات وفريدمان، الركن الذي اتكأ عليه "كوشنر" في تل أبيب بثقة مبالغ فيها تصدع فجأة، ويبدو أن الشريك الذي بدا مثاليا ل"صفقة ترامب" التي تحوم في سماء المنطقة وفوق رؤوس الفلسطينيين مثل كابوس متقن الصنع، كابوس على وشك أن يتحول إلى واقع، لم يعد كذلك، وهو "يكافح" الآن لإنقاذ رأسه، الدخان الأبيض الذي كان يتصاعد من مؤتمرات نتانياهو الصحفية وجلساته الحميمة مع "فريدمان" وغرينبلات"، الدخان الذي كان يجمعه كوشنر في أكياس صغيرة ويضعه في خزائن البيت الأبيض مثل وعد إلهي يتبدد، وعليهم هناك، في أفضل الأحوال، أن ينتظروا حتى سبتمبر (أيلول) من جديد.