مقاتلون إسلاميون في إدلب.(أرشيف)
مقاتلون إسلاميون في إدلب.(أرشيف)
الأحد 16 يونيو 2019 / 15:22

في"قندهار سوريا"...المدنيون رهائن الجماعات الجهادية

أكدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رغبتها بتجنب التورط في أزمة إدلب، كما يبدو أنها مترددة في التعامل مع التهديد السلفي – الجهادي هناك، بما يضع الأمريكيين في خطر، برأي روبرت رابيل، أستاذ العلوم السياسية لدى جامعة فلوريدا أتلانتيك، ومؤلف كتاب صدر حديثاً بعنوان "أزمة اللاجئين السوريين في لبنان".

أصبحت اليوم محافظة إدلب أكبر تجمع لأشد الجهاديين السلفيين تحجراً وصلابة. وتتباين تقديرات بشأن أعدادهم ما بين 60 و 90 ألف مقاتل

وفي 2 يونيو(حزيران)، طالب ترامب عبر "تويتر"، بأن تتوقف روسيا وسوريا، وبدرجة أقل إيران، عن "قصف محافظة إدلب في سوريا بشكل عشوائي، ما أسفر عن مقتل العديد من المدنيين الأبرياء"، مضيفاً أن العالم يراقب هذه المجزرة. ما الغرض منها؟ توقفوا".

آخر حصن
ولفت رابيل، في مقال بمجلة "ناشونال إنترست"، إلى أن إدلب تمثل آخر حصن لسلفيين جهاديين تقودهم المعارضة للنظام السوري. وهي نفس المحافظة التي وصفها بريت ماكغورك، في 2017 ، المبعوث الأمريكي السابق للتحالف الدولي ضد داعش، بأنها" أكبر ملاذ آمن للقاعدة منذ هجمات 9/11".

ويرى كاتب المقال، أن الرئيس الأمريكي محق في إبداء قلقه بشأن مقتل سوريين أبرياء بأثر حملة القصف الروسي والسوري. ولكن ترامب لم يعالج بعد مشكلة عش دبابير الإرهاب عقب إعلانه الانتصار على داعش. ويتضح أن واشنطن وحلفاءها في حيرة بشأن كيفية منع وقوع مأساة إنسانية إن واصل النظام السوري، مدعوماً من روسيا، القتال من أجل السيطرة على إدلب.

وبرأي الكاتب، لا ينبغي لإدارة ترامب أن تسمح ببقاء إدلب ملاذاً آمناً لإرهابيين متحجرين أنشؤوا هناك دولة إسلامية في كل شيء باستثناء اسمها.

صورة رمزية
ويشير الكاتب إلى محافظة إدلب، في شمال غرب سوريا التي تمتد على مسافات طويلة شمال محافظة حماه وغرب حلب، بكونها معقل فرع القاعدة، هيئة تحرير الشام (HTS). وبدلاً منه، تجسد إدلب صورة رمزية لفشل الانتفاضة السورية التي طمح أصحابها لنيل الحرية، ولكن حلمهم تحوّل إلى عالم فتاك من السلفية الجهادية. وقد كانت محافظة إدلب من بين أولى المناطق التي عارضت النظام وحاربت ضده. ولكن شيئاً فشيئاً، سيطرت أحزاب إسلامية وسلفية على المحافظة ومناطق محيطة بها. وقادت الولايات المتحدة تحالفاً دولياً لأجل هزيمة داعش في العراق وسوريا، في موازاة دعم روسي وهجوم من قبل النظام ضد معارضته، وظهرت إدلب ببطء، لكن بثبات، كآخر معقل للمعارضة.

قندهار سوريا
وباستعارة وصف ماكغورك لإدلب بأنها تمثل أكبر ملاذ آمن للقاعدة، لم يكن ذلك الملاذ من صنع السلفيين الجهاديين لوحدهم. فقد اجتمعت ديناميات ما بين تنظيم داعش ومنافسيه من تنظيمات جهادية أخرى، وسياسة النظام في حجر المعارضة داخل إدلب، وتركيز واشنطن الأحادي على داعش، لتحويل إدلب إلى قندهار سوريا.

سياسة خاصة
ويشير الكاتب لبدء النظام السوري، منذ 2014، تطبيق سياسة خاصة بنقل جميع السوريين المشبوهين إلى شمال سوريا. وفي نهاية المطاف، مع اشتداد زخم الهجوم على المعارضة، تحولت هذه السياسة الخاصة إلى وضع قياسي، وحيث نقل سوريون مشبوهون "وغير مرغوب فيهم" فضلاً عن نازحين آخرين، إلى إدلب.

وفي الوقت نفسه، انفصل فرع القاعدة في سوريا، جبهة النصرة، بقيادة أبو محمد الجولاني، عن داعش عندما وسع مناطقه داخل سوريا. وفي واقع الأمر، ركز أبو بكر البغدادي، زعيم داعش، على محاربة مجموعات متمردة في سوريا والسيطرة على مناطقهم، عوضاً عن محاربة النظام السوري. وهكذا انتقلت معظم التنظيمات السلفية الجهادية، بعد هزائمها أمام داعش، نحو إدلب. وتبع ذلك تنافس على السيطرة على المحافظة التي همشت فيها معظم فصائل المعارضة المحلية.

أكبر تجمع

ويلفت كاتب المقال إلى أنه نتيجة لتلك التطورات، أصبحت اليوم محافظة إدلب أكبر تجمع لأشد الجهاديين السلفيين تحجراً وصلابة. وتتباين تقديرات بشأن أعدادهم ما بين 60 و90 ألف مقاتل. ولا يقود هؤلاء الجهاديون سوى تنظيم هيئة تحرير الشام HTS، النسخة الأخيرة من فرع القاعدة في سوريا.

وفي أواخر أغسطس (آب) الماضي 2018 ، صعدت روسيا خطابها وحشدها العسكري ما أشار لقرب الهجوم على إدلب، رغم إبرام اتفاق سوتشي، في وقت سابق، بين روسيا وتركيا وإيران، بشأن إنشاء منطقة خفض تصعيد في محافظة إدلب.

وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف بأنه يجب محو الإرهابيين من إدلب، واتهمهم باستخدام المدنيين كدروع بشرية.

ويلفت كاتب المقال إلى مقتل مئات من المدنيين السوريين جراء القصف الروسي والسوري. وقد حذرت الأمم المتحدة مراراً من وقوع كارثة في إدلب. وفي هذا السياق، يحق لإدارة ترامب أن تعبر عن قلقها بشأن المأساة التي تتكشف في إدلب، لكن الإدارة لم تفعل إلا القليل لمواجهة القوة المتنامية للجهاديين السلفيين في إدلب بقيادة فروع القاعدة هناك.