الثلاثاء 18 يونيو 2019 / 15:06

بعد 3 عقود من العمل ... 99 يوماً تفصل الإمارات عن حلم الفضاء

24- أبوظبي- آلاء عبد الغني

طموح الإمارات لا تحده جغرافيا الأرض، ولا أبعاد الكون الخارجي، فهي دولة لا تعرف المستحيل، قولاً وفعلاً، وهو ما أضحى جزءاً رسمياً ضمن منظومة حكومتها بعد إنشاء وزارة "اللا مستحيل".

تؤمن قيادة الإمارات أن الأحلام يمكن أن تكون واقعاً معاشاً عندما تجتمع الإرادة مع الابتكار في منظومة تضم عناصر تؤمن برؤيا القيادة التي بذلت كل الجهود لتحقيق التقدم والتميز في كافة المجالات.

ولادة قطاع الفضاء
هذه الرؤيا جعلت من وصول الإمارات إلى الفضاء واقعاً بعد أن كان حلماً لاسيما وأنها بدأت العد التنازلي بعد أقل من 100 يوم  بدأ العد التنازلي لإرسال أول رائد فضاء إماراتي إلى المحطة الدولية بعد أقل من 100 يوم منذ الآن، حيث سيشهد شهر سبتمبر (أيلول) المقبل هذا الإنجاز الإنساني التاريخي لدولة الإمارات العربية المتحدة، الذي بدأ مخاضه منذ 3 عقود في سبعينيات القرن الماضي عندما التقى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" مع فريق وكالة ناسا المسؤول عن رحلة "أبولو إلى القمر"، وكان ذاك اللقاء حافزاً لتوجيه اهتمام الإمارات بالفضاء، ما أدى إلى ولادة قطاع وطني للفضاء مع تأسيس شركة الثريا للاتصالات في أبريل (نيسان) 1997، وشركة الياه للاتصالات الفضائية "ياه سات" بعد عشر سنوات في عام 2007.



قبل وقت قصير من تأسيس "ياه سات"، أنشأ نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، "مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة" التي تهدف إلى تعزيز علوم الفضاء والأبحاث العلمية في دولة الإمارات والمنطقة، وعملت المؤسسة منذ فبراير (شباط) 2006 وحتى أبريل (نيسان) 2015، قبل دمجها مع "مركز محمد بن راشد للفضاء".

وفي عام 2014، تأسست وكالة الإمارات للفضاء بموجب مرسوم بقانون اتحادي، بهدف تطوير قطاع الفضاء في الدولة، حيث تتولى الوكالة هذه المسؤولية عبر إقامة الشراكات، والبرامج الأكاديمية، والاستثمارات في مشاريع الأبحاث والتطوير والمبادرات التجارية، ودفع عجلة أبحاث علوم الفضاء واستكشافه.



استكشاف المريخ
لم يتوقف طموح الإمارات عند الوصول إلى أعتاب الفضاء فحسب، بل تسعى إلى أن تكون رابع دولة تصل إلى المريخ على مستوى العالم، بعد مهمات ناجحة سابقة لوكالات الفضاء الأمريكية والأوروبية والهندية، وهدفها إحياء أمجاد الحضارتين العربية والإسلامية وإلهام أجيال المستقبل.



مسبار الأمل
دخلت دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل رسمي السباق العالمي لاستكشاف الفضاء الخارجي، عبر مرسوم رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، بإنشاء وكالة الإمارات للفضاء، وبدء العمل على مشروع إرسال أول مسبار عربي وإسلامي إلى كوكب المريخ، أطلق عليه اسم "مسبار الأمل". لتكون الدولة بذلك واحدة من بين تسع دول فقط تطمح لاستكشاف هذا الكوكب.

وسينطلق المسبار في مهمته عام 2020، ومن المخطط أن يصل إلى المريخ بحلول عام 2021، تزامناً مع ذكرى مرور خمسين عاماً على قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة.

التخطيط والإدارة والتنفيذ لمشروع المسبار يتم على يد فريق إماراتي يعتمد أفراده على مهاراتهم واجتهادهم لاكتساب جميع المعارف ذات الصلة بعلوم استكشاف الفضاء وتطبيقها، إذ تشرف وكالة الإمارات للفضاء على المشروع وتموله بالكامل، في حين يطور مركز محمد بن راشد للفضاء المسبار بالتعاون مع شركاء دوليين.

أهداف المهمة
وتتجلى أهداف المهمة في بناء موارد بشرية إماراتية عالية الكفاءة في مجال تكنولوجيا الفضاء، وتطوير المعرفة والأبحاث العلمية والتطبيقات الفضائية التي تعود بالنفع على البشرية، والتأسيس لاقتصاد مستدام مبني على المعرفة وتعزيز التنويع وتشجيع الابتكار، والارتقاء بمكانة الإمارات في سباق الفضاء لتوسيع نطاق الفوائد، وتعزيز جهود الإمارات في مجال الاكتشافات العلمية، وإقامة شراكات دولية في قطاع الفضاء لتعزيز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة.



المريخ 2117
بذلت دولة الإمارات جهود كبيره لتحويل الفضاء إلى مكان صالح للحياة البشرية، وتسخير الإمكانيات الضخمة والموارد البشرية الاستثنائية من علماء وخبراء وباحثين، إلى جانب التعاون الدولي وتكثيف الجهود لتسخير مخرجات هذا الحراك العالمي بما يلبي احتياجات الإنسان ويرتقي بجودة حياته على الأرض.

وتحقيقاً لذلك، أطلق نائب رئيس دولة الامارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مشروع بناء المدينة الفضائية الأولى من نوعها التي تتخذ من داخل حديقة مشرف بدبي مقراً لها، وذلك في سبتمبر (أيلول) من عام 2017.

وتبلغ تكلفة المشروع 500 مليون درهم على مساحة أرض تبلغ مليوناً و900 ألف قدم مربع، لتشكل بذلك أكبر مدينة فضائية تُبنى على الأرض، ونموذجاً عملياً صالحاً للتطبيق على كوكب المريخ.

ويتضمن المشروع الذي تبلغ مساحته 500 ألف قدم مربع، مختبرات للغذاء، والطاقة، والمياه، ويتضمن إجراء اختبارات زراعية متنوعة تلبي احتياجات الدولة المستقبلية في الأمن الغذائي، بالإضافة إلى متحف عالمي يعرض أبرز إنجازات البشرية في مجال الفضاء.

كما يشمل المشروع مناطق مبتكرة للتعليم تهدف إلى المساهمة في إنشاء جيل يقوده الشغف نحو العلم والفضاء والاستكشاف، ومن المقرر، أن تطبع جدران المتحف بتقنية ثلاثية الأبعاد باستخدام رمال من صحراء الإمارات.



ويتضمن المشروع مختبرات متطورة تحاكي تضاريس الكوكب الأحمر وبيئته القاسية، وسيُنفذ باستخدام تقنيات مطورة للطباعة ثلاثية الأبعاد، وعزل الأشعة، والحرارة، وسيعمل على استقطاب أفضل العلماء والتجارب العلمية من حول العالم إلى دولة الإمارات لتلبية احتياجات الدولة العلمية المستقبلية، وتطبيق الدراسات بشكل يساهم في تطوير وتحسين الحياة البشرية، والتصدي لتحديات أمن الغذاء والمياه والطاقة على كوكب الأرض.

كما تشمل خطط إنشاء المدينة الأولى والأكبر عالمياً في مجال الفضاء تجربة نوعية لإشراك فريق بشري مختص سيعيش داخلها لمدة عام واحد وسط ظروف بيئية وحياتية تحاكي ظروف الكوكب الأحمر، مع إجراء الدراسات السلوكية المطلوبة لمتابعة النتائج العلمية والاستفادة منها لاحقاً في مجال رحلات استكشاف الفضاء.

أما الشكل الخارجي للمشروع، فسيتكون من عدة قباب لا ترتكز على أعمدة، ما يتطلب ابتكار تقنيات جديدة لضمان ثباتها وسلامتها، لتشكل هذه القباب السقف الأكبر عالمياً بدون أعمدة.



الخطة الوطنية للاستثمار الفضائي
واستكمالاً لجهودها في هذا المجال أعلنت وكالة الإمارات للفضاء عن اعتماد الخطة الوطنية لتعزيز الاستثمار الفضائي في يناير (كانون الثاني) من عام 2019، وذلك بهدف زيادة مساهمة قطاع الفضاء الوطني في تنويع اقتصاد الدولة، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية على الدخول في صناعة الفضاء الإماراتية.

وجاء الإعلان عن الخطة بعد اعتماد مجلس إدارة وكالة الإمارات للفضاء لبنودها بهدف تحقيق مستهدفات رؤية الإمارات 2021 ومئوية الإمارات 2071 الرامية إلى أن تكون دولة الإمارات أفضل دول العالم في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والإسهام في تحقيق السياسة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار، واستراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة عبر بناء اقتصاد وطني تنافسي، قائم على المعرفة والابتكار والتطبيقات التكنولوجية المستقبلية، التي تدمج أحدث التقنيات المادية والرقمية والحيوية إلى جانب تشجيع ريادة الأعمال الصغيرة والمتوسطة.

وتنبثق خطة تعزيز الاستثمار الفضائي عن السياسة الوطنية للفضاء التي أصدرت عام 2016، والتي وجهت بتبني نهج يجذب ويعزز الاستثمار في صناعة الفضاء، ويشجع ويسهل أعمال الشركات والقطاع الخاص فيه، بالإضافة إلى جعل دولة الإمارات مركزاً إقليمياً وعالمياً رئيسياً للأنشطة والفعاليات الفضائية.



قمر "خليفة سات"
يوم الأثنين الموافق 29 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2018 وفي تمام الساعة الثامنة صباحاً، انطلق "خليفة سات"، أول قمر صناعي إماراتي من محطة الأرضية بمركز تانيغاشيما الفضائي في اليابان إلى الفضاء.

وتم بناؤه داخل الغرف النظيفة في مختبرات الأبحاث وعلوم الفضاء في مركز محمد بن راشد للفضاء في إمارة دبي بأيدي فريق من المهندسين الإماراتيين، واستغرق تصنيعه 4 أعوام من التجهيز والاستعداد والتدريب لفريق عمل من مركز محمد بن راشد للفضاء، يمتلك 5 براءات اختراع، وسيقوم بتقديم صور فضائية عالية الجودة والوضوح، مقدماً للدولة خدمات تنافسية في قطاع الصور الفضائية على مستوى الوطن العربي والعالم.



الاستراتيجية الوطنية للفضاء
واعتمد مجلس الوزراء الإماراتي، برئاسة نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الاستراتيجية الوطنية للفضاء 2030 في آذار (مارس) 2019.

وتهدف الاستراتيجية إلى دعم تحقيق رؤية الإمارات في مجال صناعة الفضاء بمختلف علومه وتقنياته وتطبيقاته وخدماته، كما تعد إحدى ركائز وممكنات الإطار التنظيمي الوطني لقطاع الفضاء في الدولة، الذي يتألف من العناصر الأربعة: السياسة الوطنية للفضاء، وقانون تنظيم القطاع الفضائي، واللوائح التنظيمية، والاستراتيجية الوطنية للفضاء، فيما تعد الاستراتيجية مرجعاً وطنياً للمبادرات ذات الأولوية للجهات المعنية والمؤسسات العاملة بالقطاع الفضائي.

وتعنى الاستراتيجية بصناعة وأنشطة الفضاء لدولة الإمارات حتى عام 2030، وصولاً إلى مستهدفات "رؤية الإمارات 2021"، و"مئوية الإمارات 2071"، ويشمل ذلك الأنشطة الفضائية الحكومية، والأنشطة التجارية، والأنشطة العلمية التي تقوم بتنفيذها الجهات العاملة في القطاعين العام والخاص، والمؤسسات الأكاديمية، ومراكز البحث والتطوير، كما تعنى أيضاً بالأنشطة الفضائية الدولية أو لدول أخرى، التي تشارك وتسهم فيها الجهات العاملة في الدولة.

ويدعم تطبيق الاستراتيجية بنية تحتية متكاملة، وإطار تنظيمي للقطاع الفضائي للدولة، خصوصاً مع وجود أربعة مراكز متخصصة في البحث والتطوير الفضائي، وهي: مركز محمد بن راشد للفضاء بدبي، والمركز الوطني لأبحاث وتقنيات الفضاء بالعين، ومركز الياه سات في معهد مصدر بأبوظبي، ومركز الشارقة لعلوم الفضاء والفلك. 

تتضمن الاستراتيجية ستة أهداف رئيسة و21 برنامجاً و79 مبادرة، تترجم سياسة الدولة إلى مجالات تركيز ومجموعة من المبادرات والبرامج ذات الأولوية، التي تسعى لتحقيق الغايات والطموحات الوطنية في صناعة الفضاء، يستفيد منها أكثر من 85 جهة في الدولة.



المجموعة العربية للتعاون الفضائي
بجهود وبمبادرة الإمارات العربية المتحدة، تم إطلاق المجموعة العربية للتعاون الفضائي في مارس (آذار) من عام 2019، ووقعت 11 دولة عربية على ميثاق التأسيس، وهي: الإمارات، والسعودية، والجزائر، ومصر، والبحرين، والأردن، والكويت، ولبنان، والمغرب، وعمان، والسودان، والمهمة الأولى تصميم قمر اصطناعي ليراقب المناخ والبيئة من الفضاء.



قمر (813)
وجه نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فعاليات النسخة الثانية من "مؤتمر الفضاء العالمي" الذي استضافته لاعاصمة أبوظبي في مارس (آذار) 2019، بالعمل على تطوير القمر الاصطناعي (813)، الذي تعود تسميته إلى تاريخ بداية ازدهار بيت الحكمة في بغداد في عهد المأمون، البيت الذي جمع العلماء، وترجم المعارف، وأطلق الطاقات العلمية لأبناء المنطقة.

ويتم استخدامه لأغراض مراقبة الأرض والتغيرات البيئية والمناخية، ليكون بمثابة هدية من دولة الإمارات إلى الدول العربية، حيث سيعمل على تصميم وتصنيع القمر الاصطناعي عدد من المهندسين والشباب العرب، من الدول التي وقعت على ميثاق تدشين المجموعة الأولى من نوعها في العالم العربي.


أول رائد فضاء إماراتي
وفي 25 سبتمبر (أيلول) المقبل، بعد 67 يوماً، سيكون الشاب الإماراتي هزاع المنصوري أول رائد فضاء إماراتي وعربي يصل إلى محطة الفضاء الدولية، حيث سيقضي أيام على متنها ضمن بعثة فضاء روسية، وستحمله مركبة "سويوز إم إس 15" التي ستنطلق من محطة "بايكونور" الفضائية في كازاخستان بتاريخ 25 سبتمبر(أيلول) 2019، وسيعود على متن المركبة "سويوز إم إس 12"، وسيكون الإماراتي سلطان النيادي بديلاً له في هذه المهمة.