"امتداح الخالة» لماريو فارغاس يوسا.(أرشيف)
"امتداح الخالة» لماريو فارغاس يوسا.(أرشيف)
الأربعاء 26 يونيو 2019 / 21:59

امتداح الخالة

رؤية يوسا تكاد تكون من فصل إلى فصل ألواحاً ورقائم ولوحات فنية

"حفلة التيس" و"المدينة والكلاب" و"حرب نهايات العالم" و"امتداح الخالة" روايات ماريو فارغاس يوسا الكاتب البيروفي الاسباني الذي حاز على جائزة نوبل 2010 وبدأ أقرب إلى اليسار لكنه ما لبث أن انقلب على نفسه، هجر يساريته منحازاً إلى الليبرالية بل ومنحازاً إلى اليمين، ولعل هذا ظاهر في "امتداح الخالة" التي ترجمها صالح علماني المترجم البارز عن اللغة الإسبانية وصدرت عن دار المدى.

"امتداح الخالة" هي نموذج فن يوسا الروائي وهو فن مجدد مبتكر بل بالغ الابتكار. الابتكار أولاً في موضوعها وفي سرديتها وفي بنائها، ولا بد أن القارئ يفتتن، ليس فقط، بموضوع الرواية الجريء وغير المتوقع بقدر ما يفتتن بسردها الذي يبقى دائماً على حافة الشعرية، والذي يوازن بين عدة أساليب وبين عدة نماذج أسلوبية، كما يوازن بين مداخل عديدة متباينة متنوعة.

تروي الرواية قصة دون ريغوبرتو وامرأته دونا لوكريثيا وابن دون ريغوبرتو. لوكريثيا هي زوجة ريغوبرتو الثانية، إنها الأم الثانية، خالة فوتشينو. كان ريغوبرتو وكذلك لوكريثيا حذرين من أن يصد فوتشينو لوكريثيا باعتبارها بديلاً مرفوضاً لأمه.

لكن الأمر لم يكن كذلك، بدلأً من أن يرفض فوتشينو لوكريثيا تعلق بها تعلقاً يشغل الرواية كلها ويكاد يكون موضوعها الأساس. تبدأ الرواية من هنا، من هذه العاطفة الملتبسة الذي يكنها الصبي لخالته. لا نصل بسهولة إلى كنه هذه العاطفة، وتبقى الرواية متأرجحة متذبذبة حولها. تبدأ الرواية بالصبي وهو يبوح لمساعدة لوكريثيا في البيت بأنه مزمع على الانتحار لأن لوكريثيا تصده عنها، وهو من أجلها يهتم بمدرسته وبدرجته في صفه.

رؤية يوسا تكاد تكون من فصل إلى فصل ألواحاً ورقائم ولوحات فنية. ثمة فصل نرى فيه لوكريثيا في الحمام والفصل بشاعرية لافتة يروي علاقة لوكريثيا بجسدها. إنها علاقة حب وإلفة ففي غرفة الحمام المغلقة وفي حوض الحمام وبأدوات الحمام وتفاصيل الحمام ندخل مع لوكريثيا إلى حمامها ونرى الأنثى التي فيها.

ثمة فصول أخرى تخرجنا من سياق الرواية لتطل بنا على لوكريثيا "الأسطورة" لوكريثيا الإلهة مع طقوس العبادة الوثنية. هذا الوجه للوكريثيا هو شعر الرواية نصعد هكذا بالعلاقة الأوديبية إلى أصلها الأسطوري والإغريقي، بل نصعد إلى لوكريثيا إلهية وفوتشينو كيوبيدي. الأصل الوثني والأسطوري للوكريثيا وفوتشينو ولروايتهما هو وجه آخر للرواية التي تدور في آن واحد بين الواقع والاسطورة.

لكن هناك إلى جانب ذلك فصول هي تحف الرواية التي تستحيل معها إلى قطع من الجمال أو قطع عن الجمال وعن الرغبة وعن شعرية الجسد والعلاقة بالجسد، فالحمام نفسه مفتوح لريغوبرتو لكن ليس للاغتسال وحده بل لأمر آخر قلما نراه في رواية، فبعد أن دخلنا في رواية "خفة الكائن التي لا تطاق" إلى الحمام بعد المضاجعة، لكن ليس فقط للاغتسال، ولكن أيضاً للتغوط. ندخل مع بطل يوسا إلى الحمام لإخراج فضلاته وتغوطه. يحول يوسا فعل التغوط المرسوم بتفصيل آلي إلى شاعرية دافئة. يقف ريغوبرتو على كل لحظة في العملية، ويتابع إخراج الفضلات قطعة قطعة إلى أن ينتهي، بعد الفراغ من العملية، إلى العناية برجلية. فاليوم مخصص للرجلين ودون ريغوبرتو يخصص لكل عضو من أعضاء جسده يوماً. مرة أخرى ندخل في شاعرية الجسد.

تكتشف لوكريثيا أن فوتشينو يتسلق إلى نافذة حمامها ليراها في عريها، أوديبية تقابلها لوكريثيا بالرضى فتحتضن الصبي وتفتح له جسدها، الأمر الذي يعرفه ريغوبرتو فيخرج لوكريثيا من حياته. هنا ينقطع السياق الشاعري ونخرج دفعة واحدة من شاعرية الجسد ومن زنى الأقارب.