علما لبنان وسوريا (أرشيف)
علما لبنان وسوريا (أرشيف)
الإثنين 15 يوليو 2019 / 20:02

لبنان وسوريا

العلاقة بين لبنان وسوريا كانت ملتبسة باستمرار والأرجح أن بين البلدين درجة من الاندماج لا وضوح لأصولها أو مستقبلها، درجة من الاندماج تتركهما متلاصقين ومتداخلين ومتواصلين.

باتت الأغلبية سنية وإن كانت فقيرة بالسلاح مما يجعل التوازن بين القوة العسكرية والقوة السياسية مفقودة

أيام الحكم العثماني لم يكن هناك تفريق بين البلدين، لا تفريق بينهما وبين فلسطين أيضاً، والتقسيمات الإدارية لا تميز بينهما ولا تفرق. الأرجح أن المركز كان في لبنان بقدر ما كان في سوريا وفي فلسطين، لدرجة أن اسم سوريا غلب على أجزاء واسعة من الدول الثلاث.

كان أهل الدول الثلاث يُعتبرون سوريين وحين قام حزب على هذا الأساس لم يجد من ينكره أو يرده فبين البلدان الثلاثة ما يتيح لهذا الإسم الواحد أن يكون. كانت صيدا هذ المركز، وأحياناً حيفا، وأحياناً دمشق.

لا بد أن هذا التوزّع كان بديهياً، وما بين الشعوب الثلاثة من الامتداد والتواصل والاجتماع كان أيضاً بديهياً، وبالطبع كان الانتماء الى كل من البلدان الثلاثة محكوماً بالقرب أو البعد الجغرافيين لدرجة أن مناطق واسعة بقيت ضائعة الإسم وضائعة الانتماء وجميعها أجزاء من سوريا الكبرى ومن الدولة العثمانية التي تشملها جميعاً. 

مع الحرب الأهلية اللبنانية بدا من اللحظة الأولى أن الحرب هي سورية، أو أنها لا تطرح فقط الأزمة اللبنانية وهي أزمة مزمنة بين الجماعات التي تؤلف لبنان، وأزمة تسببت في جزء منها في الإنقسام السوري اللبناني الذي كان دون رضى كثير من اللبنانيين والسوريين، بل تم بحسابات لبنانية لم ترض كثيراً من السوريين.

تأسيس لبنان يحمل هذا الطابع وتلك الشارة. فلبنان أُسس ليكون البلد الوحيد غير المسلم، وربما غير العربي في المنطقة العربية الإسلامية أما تكوينه على الشاكلة التي قام عليها فتتبع حاجات جغرافية اقتصادية في غالبها.

لقد أُلحق الجنوب بلبنان وأُلحقت المدن الإسلامية غالباً بلبنان لأسباب أصلها الاقتصادي كان واضحاً. لقد أضيفت طرابلس، وبيروت وصيدا لأنها مرافىء لبلد نواته وأصله الجبل، لكن هذا الضم لم يأخذ في الحساب رضى أو عدم رضى الأهالي.

هكذا تأسس لبنان على قواعد جلها مركب وجلها قائم على الجماعات التي تكونه. وبالتأكيد اعتبر السوريون أن البلد انتُزع من سوريا وأنه بلد سوري مغتصب. لم يسلم السوريون بذلك ولم يقيموا مع البلد الجديد علاقات ديبلوماسية، ولم يسلموا بوجود سفارة لهم في لبنان، أما في لبنان فلم يقبل المسلمون الانضمام إلى لبنان وبقي هذا الأمر ملتبساً إلى أن وقعت الحروب الأهلية التي كانت سوريا طرفاً في جميعها، فحرب 1958 تمت بدوافع أبرزها الانضمام اللبناني إلى سوريا، وحرب 1974 كان لسوريا دور كبير فيها وكانت الحرب الأهلية حربها في لبنان.

في الحرب الحالية في سوريا، عاد الأمر نفسه وإن من ناحية أخرى. لقد توافد السوريون إلى لبنان بمئات الألوف وعنى ذلك ديموغرافياً تغيراً كبيراً في التوازن الديموغرافي بين الجماعات اللبنانية، إذ أن النزوح السوري الكثيف الذي قارب المليون ونصف، غيّر تماماً في طبيعة البلد الديموغرافية.

لقد صار السنة بالنزوح السوري أكثرية وازنة، فيما وجد المسيحيون أنفسهم بهذا النزوح أقلية ضعيفة، أما الشيعة فرغم سلاحهم ومع هذا السلاح عادوا أقلية رغم أن نسبتهم الديموغرافية هي التي أهلتهم لموقعهم الجديد في البلد.

لقد صار البلد عربياً مسلماً شأنه شأن دول المنطقة كلها، وعاد لبنان جزءاً من الشرق الأوسط العربي المسلم. أما السنة فقد صاروا الأكثرية رغم أنهم لا يعتمدون على السلاح، ولا ينعمون بميليشيا خاصة. لقد باتت الأغلبية سنية، وإن كانت فقيرة بالسلاح ما يجعل التوازن بين القوة العسكرية والقوة السياسية مفقودة.

لقد نعم الشيعة بالسلاح ونعم المسيحيون بالأولوية التاريخية، أما السُنة الذين لم يطرحوا بعد مسألة ثقلهم العددي المستجد، فينتظرون ما سيقوله التاريخ وعليهم أن يصبروا فالمستقبل لهم.