الملياردير الأمريكي إيبستين (أرشيف)
الملياردير الأمريكي إيبستين (أرشيف)
الثلاثاء 13 أغسطس 2019 / 20:29

جريمة قتل أم انتحار؟

من المعروف عن الديمقراطيين الغربيين، أنهم يستخفون بمصطلح، أو نظرية "المؤامرة"، إذا كان الاتهام موجهاً لهم بممارستها، كما يستخفون منذ أربعة عقود ماضية، بمؤامراتهم المحمومة مع إرهاب الإسلام السياسي

أُعْلِن فجأةً أن الملياردير الأمريكي، تاجر الجنس، جيفري إيبستين، أقدم على الانتحار يوم السبت الماضي، 10 (آب) أغسطس 2019، في زنزانته، حيث كان ينتظر محاكمته بتهمة الاعتداء جنسياً على قاصرات. أدار جيفري إيبستين شبكة واسعة لتجارة الجنس، تضم عشرات الفتيات الصغيرات القاصرات. المحرج في انتحار إيبستين، صلاته مع مشاهير السياسة والمال والأعمال، الأمير أندرو ابن ملكة بريطانيا، وبيل كلينتون، ودونالد ترامب، وإيهود باراك.

ولأن جيفري إيبستين أقدم على محاولة الانتحار سابقاً كما قيل، فقد كانت إقامته في وحدته السكنية الخاصة، السجن، مع فرد آخر، أشبه بحارس شخصي، كما تنص لوائح السجون مع الأشخاص المشكوك في إقدامهم على الانتحار أثناء محاكمتهم، إلا أن هذا الفرد المقيم مع جيفري إيبستين، اختفى ليلة الانتحار، دون معرفة الأسباب.

قال مسؤول فيدرالي لشبكة سي إن إن، التي تميل بموضوعية جارفة، لتأكيد انتحار جيفري إيبستين: "ليس هناك شُبهة في انتحار جيفري إيبستين، ومع ذلك مكتب التحقيقات الفيدرالي يحقق". وقال جاك سكارولا المحامي الذي يُمثِّل العديد من ضحايا إيبستين: أنا متأكد من أسف الضحايا جميعاً على المعلومات التي ماتت معه.

ولم ينه المحامي جاك سكارولا جملته، إلا وأعقبها بتفاؤل مُجامل، يشي بمدى خوفه، وبمدى سلطة مَنْ كانوا وراء موت إيبستين: التوقع الوحيد أن موت إيبستين لن يُعرقل التحقيقات والبحث عن الذين لم تُذكر أسماؤهم.

وكأنَّ الذين ذُكرتْ أسماؤهم هم خارج دائرة الشبهات، أو أقل سطوة من المجهولين الذين لم تُذكر أسماؤهم. وربما التأويل المُفرط لكلمات جاك سكارولا المحامي، يقر ببراءة مَنْ ذُكرتْ أسماؤهم، أو سيكون تحدي التحقيقات الفيدرالية المستقبلية، مع أسماء المجهولين فقط.

صرَّح أحد العاملين لوكالة أسوشيتد برس، ودافعتْ الوكالة عن التصريح، بأنها لا تستطيع ذكر اسمه، لأنه ليس مسموحاً له بتصريحات عن بروتوكولات السجون، وهذا يعني أن وكالة أسوشيتد برس تخفي مصدر معلوماتها، وتقول ما تريده هي، بحرية تامة. قال المصدر إن أحد الحرَّاس في وحدة إقامة إيبستين، كان يعمل لليوم الخامس على التوالي، وأن حارساً آخر كان يعمل لساعات إضافية إلزامية.

تبرر وكالة الأخبار العريقة أسوشيتد برس، اختفاء الحرَّاس المريب ساعة موت جيفري إيبستين، لأسباب تتعلق بضغط العمل على الحرَّاس، والإجهاد البدني، وساعات العمل الإضافية. وجهة النظر هذه سنجدها في كل وسائل الإعلام الغربية الكبرى. كانت تعليمات السجن بأن يُفحص جيفري إيبستين من قِبَل الحرَّاس كل 30 دقيقة.

من المعروف عن الديمقراطيين الغربيين، أنهم يستخفون بمصطلح، أو نظرية "المؤامرة"، إذا كان الاتهام موجهاً لهم بممارستها، كما يستخفون منذ أربعة عقود ماضية، بمؤامراتهم المحمومة مع إرهاب الإسلام السياسي، فالمؤامرة كما يصفونها، عفا عليها الزمن، لكنهم في نفس الوقت، وبوقاحة منقطعة النظير، يتهمون روسيا، بالضلوع في مؤامرة وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، والتأثير في نتيجة استفتاء بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي منذ ثلاث سنوات.

مع العلم أن روسيا ليستْ بالدولة التي تستطيع التأثير على الرأي العام الأمريكي، أو الرأي العام الغربي، فلو كانت بتلك القوة، لما هُزمتْ شر هزيمة من الغرب وأمريكا في الحرب الباردة، وإن كانت تعافتْ قليلاً مع بوتين، إلا أنها ما زالتْ أقل كثيراً من التأثير على نتائج انتخابات أمريكية، أو نتائج استفتاءات غربية.

كل وسائل الإعلام الغربي تكرر مصطلح، أو نظرية "المؤامرة"، على كل مَنْ ساوره الشك في انتحار تاجر جنس القاصرات دون 14 سنة، جيفري إيبستين. مصطلح، أو نظرية "المؤامرة" هنا، يعني أن الغربيين يثقون في رواية انتحار جيفري إيبستين، ويصادرون، ويسخفون بأية تحليلات تتلمس حقيقة أخرى.

تأتي في الذاكرة صورة الممثل خافيير بارديم الذي جسَّد شخصية أكبر تاجر مخدرات في كولومبيا، بابلو إسكوبار، في فيلم “Loving Pablo” 2017، عند قراءة المادة الصحفية عن انتحار تاجر جنس القاصرات جيفري إيبستين. الاثنان من عتاة المجرمين، الاثنان لهما زبائن مشهورون يتعاطون بضاعتهما، الاثنان قاما بفضح فساد شخصيات سياسية، الاثنان كانا في سجن، يُقال إنه سجن مُشدد، والحقيقة أنه أشبه بمنتجع فخم، يمارسان فيه حياتهما المعتادة.
أبدتْ الملكة إليزابيث الثانية، دعمها، لابنها أندور دوق يورك، في المزاعم والشكوك حول انتحار جيفري إيبستين الواضح، وهو صديق الأمير أندرو السابق. اختارتْ الملكة الجلوس بجوار ابنها وابنته، في سيارة ذاهبة إلى الكنيسة، يوم الأحد الماضي 11 (آب) أغسطس 2019.