تعزيزات تركية غلى شمال سوريا.(أف ب)
تعزيزات تركية غلى شمال سوريا.(أف ب)
الجمعة 11 أكتوبر 2019 / 20:32

الأردوغانية من الأخونة الدينية إلى الكولونيالية

هذه هي "التقية" الأردوغانية الموازية "للتقية" الخمينية، والاثنتان لهما سمة واحدة مشتركة إلا وهي التغطي بالدين لاخفاء حقيقة أنهما بلدان لهما أطماع توسعية

نجح رجب طيب أردوغان مؤسس ورئيس حزب العدالة والتنمية، النسخة التركية للاخوان المسلمين، في تغيير تركيبة الدولة التركية الأتاتوركية التى أسسها كمال أتاتورك عام 1923 وحولها من النظام البرلماني الذي يوزع السلطة بين رئيس الجمهورية والبرلمان ورئيس الوزراء إلى النظام الرئاسي الذي أصبح بموجبه أردوغان عام 2018 رئيساً تتركز بيده معظم الصلاحيات التنفيذية ويتولى تعيين كبار الشخصيات المدنية والعسكرية، بما في ذلك القضاة، وهو بذلك يكون قد أنهى نظام الحكم الذي أرسى دعائمه أتاتورك وأسس نظاماً جديداً بات يلقب بـ"الأردوغانية".

بعد أن فشل مشروع التحالف بين الأردوغانية وإدارة أوباما في "أخونة المنطقة" عبر ما سمي بـ"الربيع العربي" وتحديداً في مصر وسوريا، استوحش أردوغان ورفض تقبل الهزيمة والحقائق على الأرض، وسارع إلى استبدال تكتيكاته السياسية والعسكرية بعد فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، وهو الفوز الذي وجد فيه أردوغان فرصة تاريخية لتعويضه عن خسارته المريرة في سوريا تحديداً بسبب غياب رؤية أمريكية للحل في سوريا، وسرعان ما أحس أردوغان بأن واشنطن ليست في وارد المواجهة مع تركيا خاصة بعد شرائها منظومة "أس 400" الروسية والتي كان البيت الابيض قد جعلها القضية المفصلية في العلاقة مع أنقرة ثم تجاهلها فجأة وكأنها لم تكن، حيث كانت هذه النقطة الارتكازية التي أغرته في المضي قدماً في انتهاج سياسة الهيمنة العسكرية من أجل السيطرة على شمالي سوريا واغتنام الفرصة التاريخية للقضاء على الطموح السياسي للكرد السوريين والكرد الأتراك ايضاً.

حاول أردوغان خداع "العقل الشعبي العربي" منذ استلامه رئاسة الحكومة التركية لأول مرة عام 2003 من خلال الالتصاق الشكلي بالقضية الفلسطينية و"أسلمة" المجتمع التركي على غرار تجربة الخميني في إيران، واستطاع وبكل أسف النجاح إلى حد كبير، بينما مشروعه الحقيقي كان الهيمنة والسيطرة على المدن المجاورة للجغرافيا التركية في سوريا والعراق، وفي ذهنه تجربة ابتلاع لواء الاسكندرونة والتي تمت على مدى 18 عاماً من التآمر الفرنسي على الجغرافيا السورية حيث مزقت فرنسا الأرض السورية وتحديداً شمالي سوريا ونزعت كلاً من الإسكندرون وأضنة ومرسين منها، وهي الأراضي التى كانت جزءاً من المملكة العربية السورية الهاشمية حسب اتفاقية سيفر لعام 1920.

يسعى أردوغان إلى تحويل ما أسماه "الجيب الحدودي" الذي بدا بصناعته عسكرياً تحت مسمى "نبع السلام" إلى أرض تركية جديدة على غرار تجربة الاسكندرونة. في تلك التجربة لم تكن تقطن لواء الإسكندرون أغلبية عربية وكردية ونسبة من الأرمن، غير أن الانتداب الفرنسي ساهم في تغيير هوية الإقليم والمدن التابعة له لكي تبدو تركية، كما ساهمت فرنسا بتزوير نتائج الاستفتاء الذي جرى في الإقليم عام 1938 وسمحت بإدخال الآلاف من الترك للإقليم في الوقت الذي استنكف العرب والكرد عن المشاركة به. وكان هذا الاستفتاء المزيف لذي اشرفت عليه فرنسا جزءاً من الصفقة مع الدولة التركية لتدخل تركيا الحرب إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.

عين أردوغان وعقله على هذا السيناريو في منطقة شمالي سوريا حيث يخطط لإعادة السوريين الذي لجأوا إلى تركيا، إلى تلك المنطقة التي ستحتلها القوات التركية شمالي سوريا والتي ستكون بحدود 32 كيلومتراً بطول الحدود بين تركيا وسوريا، ويريد أردوغان بناء 10 مناطق و 140 قرية في هذه المنطقة لإسكان ما لا يقل عن مليون لاجئ سوري مقيم في تركيا وبعد ذلك أو بالتوازي سيتم "تتريك" المنطقة، ومن الممكن أن تسعى أنقرة إلى استصدار قرار بضمها لاحقاً لتركيا على غرار قبرص التركية المسماة "جمهورية شمال قبرص" التي لا تعترف بها الأمم المتحدة ولا أي دولة في العالم إلا تركيا.

هذه هي "التقية" الأردوغانية الموازية "للتقية" الخمينية، والاثنتان لهما سمة واحدة مشتركة إلا وهي التغطي بالدين لاخفاء حقيقة أنهما بلدان لهما أطماع توسعية وتحديداً في الجغرافيا العربية وعليها .